الأطياب لا يتلقّون جزاء أعمالهم الطيبة في الدنيا ، فهل من الممكن أن تكون كلتا المجموعتين في كفّة عدالة الله سواء؟!
ويقول القرآن الكريم : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١).
وفي موضع آخر يقول تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٢).
على كل حال ، فلا شك في تفاوت الناس وإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ محاكم «القصاص والثواب الدنيوية» و «محكمة الوجدان» و «الآثار الوضعية للذنوب» كل ذلك لا يكفي لإقرار العدالة على ما يبدو ، وعليه يجب القبول بأنّه لأجل إجراء العدالة الإلهية يلزم وجود محكمة عدل عامة تراعي بدقة الخير أو الشر في حساباتها ، وإلّا فإنّ أصل العدالة لا يمكن تأمينه أبداً.
وبناءً على ما تقدّم يجب الإقرار بأنّ قبول العدل الإلهي مساوٍ بالضرورة لوجود المعاد والقيامة ، القرآن الكريم يقول : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيمَةِ) (٣).
ويقول : (وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ) (٤).
ج) برهان الهدف : على خلاف ما يتوهمه الماديون ، فإنّ الإلهيين يرون أنّ هناك هدفاً من خلق الإنسان ، والذي يعبّر عنه الفلاسفة ب «التكامل» وفي لسان القرآن والحديث فهو «القرب إلى الله» أو «العبادة» : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ) (٥).
فهل يمكن تحقيق هذا الهدف إذا كان الموت نهاية لكل شيء؟!
يجب أن يكون عالم بعد هذا العالم ويستمر فيه سير الإنسان التكاملي ، وهناك يحصد ما زرع في هذا العالم ، وكما قلنا في موضع آخر فإنّه في ذلك العالم الآخر يستمر سير الإنسان التكاملي ليبلغ هدفه النهائي.
الخلاصة : أنّ تحقيق الهدف من الخلق لا يمكن بدون الإعتقاد بالمعاد ، وإذا قطعنا الإرتباط بين هذا العالم وعالم ما بعد الموت ، فكل شيء سيتحوّل إلى ألغاز ، وسوف نفقد الجواب على الكثير من التساؤلات.
__________________
(١) سورة القلم / ٣٥ و ٣٦.
(٢) سورة ص / ٢٨.
(٣) سورة الأنبياء / ٤٧.
(٤) سورة يونس / ٥٤.
(٥) سورة الذاريات / ٥٦.