ويستقبلون الموت في سبيل الهدف برحابة صدر. ولهذا فإنّ أمير المؤمنين حينما تلقّى الضربة السامّة من اللعين الخاسر «عبد الرحمن بن ملجم لم يقل سوى «فزت وربّ الكعبة».
خلاصة القول : فإنّ الإيمان بالمعاد يجعل من الإنسان الخائف الضائع ، إنساناً شجاعاً شهماً هادفاً ، تمتلىء حياته بالحماسة والتضحية والصدق والتقوى.
٣ ـ الدلائل العقليّة على المعاد : فضلاً عن الدلائل النقلية الكثيرة على المعاد سواء الواردة في القرآن المجيد ، والتي تشمل مئات الآيات بهذا الخصوص ، فإنّ هناك أدلّة عقلية واضحة أيضاً على هذه المسألة ، والتي نحاول ذكرها هنا بشكل مختصر :
أ) برهان الحكمة : إذا نظرنا إلى هذا العالم بدون العالم الآخر ، فسيكون فارغاً وبلا معنى تماماً ، كما لو افترضنا بوجود الحياة في الأطوار الجنينية بدون الحياة في هذه الدنيا.
فلو كان قانون الخلق يقضي بأنّ جميع المواليد الجدد يختنقون بمجرد نزولهم من بطون امّهاتهم ويموتون ، فإنّ الدور الجنيني سيكون بلا معنى؟ كذلك لو كانت الحياة في هذا العالم مبتورة عن الحياة في العالم الآخر ، فسنواجه نفس الاضطراب والحيرة ، فما ضرورة أن نعيش سبعين عاماً أو أكثر أو أقل في هذه الدنيا وسط كل هذه المشكلات؟ فنبدأ الحياة ونحن لا نملك تجربة معيّنة ، وحين بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر ... نسعى مدة لتحصيل العلم والمعرفة ، وحينما نبلغ درجة منه بعد إشتعال الرأس شيباً يستقبلنا الموت.
ثم لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والإستيقاظ المتكرر يومياً ، وإستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات السنين ، لماذا؟
فهل حقّاً إنّ هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة ، وكل هذه المقدمات والمؤخّرات وكل هؤلاء الأساتذة والمعلمين والمربين وكل هذه المكتبات الضخمة وكل هذه الامور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في خلقنا وخلق باقي الموجودات ، كل ذلك لمجرّد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟
هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة ، ويقدم بعضهم على الإنتحار للتخلّص من هذه الحياة الخاوية ، بل قد يفتخر به.
وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون إرتباطها بحياة اخرى ذات قيمة وذات شأن؟