فقال تعالى : (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا) (١).
حتى أنّه يستفاد من بعض الآيات أنّ الإنسان إذا كان معتقداً بالقيمة فإنّه يمتنع عن القيام بالكثير من الأعمال المخالفة ، فقد ورد في وصفه تعالى للمطفّفين في الميزان ، قوله تعالى : (أَلَا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) (٢).
والحماسة الخالدة لمجاهدي الإسلام سابقاً وحاضراً في ميادين الجهاد ، والتضحية والفداء والإيثار الذي يظهره الكثير من المسلمين في الدفاع عن بلدان الإسلام وعن المحرومين والمستضعفين ، يدلّل على أنّه بجميعه إنعكاس لحالة الإعتقاد بالحياة الخالدة في الدار الآخرة ، وقد دلّت الدراسات من قبل المفكرين ، والتجارب المختلفة على أنّ تلك المظاهر لا يمكن أن تكون ـ في المقياس الواسع الشامل ـ إلّاعن طريق العقيدة بالحياة بعد الموت.
فإنّ المجاهد الذي منطقه : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) (٣). أي : الوصول إلى إحدى السعادتين ، إمّا النصر أو الشهادة ، هو قطعاً مجاهد لا يقبل الهزيمة.
إنّ الموت الذي يبعث على الوحشة لدى كثير من الناس ، وحتى أنّهم يحاذرون من ذكر إسمه أو كل ما يذكّر به ، ليس موحشاً ولا قبيحاً قطّ بالنسبة إلى المعتقدين بالحياة بعد الموت ، بل إنّه بالنسبة إليهم نافذة على عالم رحيب ، وتحطّم القفص الدنيوي وكسر القيود المادّية التي تأسر الروح ، وبلوغ الحريّة المطلقة.
إنّ مسألة المعاد تعتبر الخط الفاصل بين الإلهيين والماديين ، لوجود نظرتين مختلفتين هنا : فالمادي يرى الموت فناءً مطلقاً ، ويفرّ منه بكل وجوده ، لأنّ كل شيء سينتهي به.
والإلهي يرى الموت ولادة جديدة ، وولوجاً في عالم واسع كبير مشرق ، والإنطلاق في السماء اللامحدودة. ومن الطبيعي فإنّ المعتقدين بهذا المذهب لا يفسحون المجال للخوف والوحشة للدخول إلى أنفسهم عند سلوكهم طريق الموت والشهادة. بل إنّهم يستلهمون من قول علي بن أبي طالب عليهالسلام : «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه» (٤).
__________________
(١) سورة السجدة / ١٤.
(٢) سورة المطفّفين / ٤ و ٥.
(٣) سورة التوبة / ٥٢.
(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٥.