كل ذلك دليل على عذاب الضمير والوجدان.
وللإنسان أن يسأل نفسه : كيف يمكن أن يكون عالم صغير كعالم النفس له تلك المحكمة ، ولا يكون لهذا العالم العظيم مثل هذا الوجدان وهذه المحكمة؟!
وبهذا الشكل يتّضح أنّ الإعتقاد بمسألة المعاد أمر فطري ، ومن عدّة طرق :
من طريق العشق البشري العام للبقاء.
ومن طريق وجود ذلك الإعتقاد بالحياة بعد الموت على طول التاريخ البشري.
ومن طريق وجود النموذج المصغّر لها في داخل الإنسان.
٢ ـ أثر الإعتقاد بالمعاد على حياة البشر : إنّ الإعتقاد بعالم ما بعد الموت وبقاء آثار الأعمال البشرية ، وخلود الأعمال ـ سواء كانت خيراً أو شرّاً ـ يترك أثره العميق على فكر وأعصاب وجسد الإنسان ، ويمكنه أن يكون عاملاً مؤثّراً في التشجيع على الأعمال الحسنة.
إنّ تأثير الإيمان بالحياة بعد الموت في إصلاح الأفراد الفاسدين والمنحرفين وتشجيع الأفراد المضحّين والمجاهدين ، أكثر بكثير من تأثير المحاكم والعقوبات المعمول بها عادةً في الدنيا ، للمزايا التي يتمتّع بها ذلك الإيمان عن المحاكم العادية ، ففي محكمة المعاد لا وجود لإعادة النظر ، ولا أثر للإضطهاد الفكري على صاحبها ، ولا فائدة من إعطاء وثائق كاذبة ومزوّرة ، ولا تستغرق ـ عبر روتينها ـ مدة من الزمن.
القرآن الكريم يقول : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّاتَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) (١).
كذلك يقول تعالى : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ) (٢).
كذلك قوله تعالى : (لِيَجْزِىَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (٣).
وإنّ حسابه تعالى سريع وحاسم كما ورد في الخبر : «أنّه تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر».
ولهذا السبب فقد اعتبر القرآن الكريم أنّ سبب الكثير من الذنوب هو نسيان يوم الجزاء ،
__________________
(١) سورة البقرة / ٤٨.
(٢) سورة يونس / ٥٤.
(٣) سورة إبراهيم / ٥١.