(وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦٢)
لماذا عبدتم الشيطان : مرّ في الآيات السابقة جانب من المصير المشوّق لأهل الجنة ، وفي هذه الآيات مورد البحث جانب بئيس من مصير أهل النار وعبدة الشيطان.
أوّلاً : يخاطبون في ذلك اليوم خطاباً تحقيرياً : (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ).
فأنتم ربّما دخلتم في صفوف المؤمنين في الدنيا وتلوّنتم بلونهم تارةً ، واستفدتم من حيثيتهم واعتبارهم ، أمّا اليوم «فامتازوا عنهم» وأظهروا بشكلكم الأصلي الحقيقي.
الآية التالية تشير إلى لوم الله تعالى وتوبيخه المجرمين في يوم القيامة قائلاً : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِىءَادَمَ أَن لَّاتَعْبُدُوا الشَّيْطنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
جرى هذا التحذير وبشكل متكرر على لسان الأنبياء والرسل.
ومن جانب آخر فإنّ هذا العهد اخذ على الإنسان في عالم التكوين ، وبلسان إعطاء العقل له ، إذ إنّ الدلائل العقلية تشير بشكل واضح إلى أنّ على الإنسان أن لا يطيع من تصدّى لعداوته منذ اليوم الأوّل وأخرجه من الجنة ، وأقسم على إغواء أبنائه من بعده.
ومن جانب ثالث فقد اخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهية للناس على التوحيد ، وإنحصار الطاعة في الله سبحانه ، وبهذا لم تتحقق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد ، بل بعدة ألسنة وأساليب ، وامضي هذا العهد والميثاق.
الآية التالية تأكيد أشد وبيان لوظيفة بني آدم ، تقول الآية الكريمة : (وَأَنِ اعْبُدُونِى هذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
اخذ على الإنسان العهد بأن لا يطيع الشيطان ، إذ أنّه أعلن له عن عداوته بشكل واضح منذ اليوم الأوّل ، فهل يطيع عاقل أوامر عدوّه؟! .. هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، اخذ عليه العهد بطاعة الله سبحانه وتعالى ، لأنّ سبيله هو الصراط المستقيم ، وهذا في الحقيقة أعظم محرّك للبشر.
ويستفاد كذلك من هذا التعبير ضمناً بأنّ الدنيا ليست بدار القرار ، إذ إنّ الطريق لا يُرسم لأحد إلّالمن يريد الذهاب إلى مقصد آخر.