القرآن الكريم يقول في هذا الخصوص : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ).
فلسنا بحاجة إلى تلك الامور ، لأنّ إشارة واحدة كانت كافية لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلى عوامل موت وفناء.
ثم يضيف تعالى : (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ).
فإنّها لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها ، صيحة أسكتت جميع الصيحات ، هزّة أوقفت كل شيء عن التحرك.
الآية الأخيرة تتعرّض إلى طريقة جميع متمردي التاريخ إزاء الدعوات الإلهية لأنبياء الله بلهجة جميلة تأسر القلوب فتقول : (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مّن رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
هؤلاء الضالون المحرومون من السعادة لم يكتفوا بعدم الإستماع بآذان قلوبهم لنداء قادة البشرية العظام فقط ، بل إنّهم أصرّوا على السخرية والإستهزاء منهم.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) (٣٢)
الغفلة الدائمة : تتحدث هاتان الآيتان ـ استناداً إلى ما مرّ في الآيات السابقة ـ عن الغفلة المستمرّة لمجموعة كبيرة من البشر في هذا العالم على مرّ العصور والقرون ، فتقول الآية : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مّنَ الْقُرُونِ).
فهؤلاء الكفار ليسوا بدعاً من الأمر ، فقد كان قبلهم أقوام آخرون تمرّدوا على الحقّ مثلهم عاشوا في هذه الدنيا ، ومصائرهم الأليمة التي ملأت صفحات التاريخ ، فهل يكفي ذلك المقدار لتحقّق العبرة والاعتبار؟
في آخر الآية يضيف تعالى : (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَايَرْجِعُونَ). أي : أنّ رجوعهم إلى هذه الدنيا لجبران مافاتهم وتبديل ذنوبهم حسنات ، فلم يبق لهم سبيل للرجوع أبداً.
هذا التفسير يشبه بالضبط ما قاله علي بن أبي طالب عليهالسلام في نهج البلاغة حينما تحدّث في أخذ العبرة من الموتى فقال : «لا» عن قبيح يستطيعون انتقالاً ولا في حسن يستطيعون ازدياداً.
وتضيف الآية التالية : (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ). أي : أنّ المسألة لا تنتهي