هنا أيضاً يتحدث عن نفسه حتى لا يظهر من حديثه أنّه يقصد الإمرة والإستعلاء عليهم ، وهو يحدّد الذريعة الأساس لعبدة الأوثان حينما يقولون : نحن نعبد الأصنام لكي تكون شفيعاً لنا أمام الله.
ثم يقول ذلك المؤمن المجاهد للتأكيد والتوضيح أكثر : إنّي حين أعبد هذه الأصنام وأجعلها شريكاً لله فإنّي سأكون في ضلال بعيد : (إِنّى إِذًا لَّفِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
فأيّ ضلال أوضح من أن يجعل الإنسان العاقل تلك الموجودات الجامدة جنباً إلى جنب خالق السماوات والأرض.
وعندما انتهى هذا المؤمن المجاهد المبارز من إستعراض تلك الاستدلالات والتبليغات المؤثرة أعلن لجميع الحاضرين : (إِنّىءَامَنتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ).
أمّا من هو المخاطب في هذه الجملة (فَاسْمَعُونِ)؟
لكن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم إزاء ذلك المؤمن الطاهر؟
القرآن لا يصرّح بشيء حول ذلك ، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنّهم ثاروا عليه وقتلوه.
ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ).
إنّ هذا التعبير يدلّل على أنّ دخوله الجنة كان مقترناً باستشهاد هذا الرجل المؤمن.
والمقصود من الجنة هنا ، هي (جنة البرزخ) لأنّه يستفاد من الآيات ومن الروايات أنّ الجنة الخالدة يوم القيامة ستكون نصيب المؤمنين ، كما أنّ جهنم ستكون نصيب المجرمين.
فإنّ روح ذلك المؤمن الطاهرة ، عرجت إلى السماء إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان ، وهناك لم تكن له سوى امنية واحدة : (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ).
يا ليت قومي يعلمون بأي شيء (بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُكْرَمِينَ). أي : ليت أنّ لهم عين تبصر الحق ، لهم عين غير محجوبة بالحجب الدنيوية الكثيفة والثقيلة ، فيروا ما حُجب عنهم من النعمة والإكرام والإحترام من قبل الله ، ويعلموا أي لطف شملني به الله في قبال عدوانهم عليّ .. لو أنّهم يبصرون ويؤمنون ، ولكن يا حسرةً.
رأينا كيف أصرّ أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين ، والآن لننظر ماذا كانت نتيجة عملهم؟