هذا الرجل الذي يذكر أغلب المفسرين أنّ اسمه «حبيب النجار» ، وحينما بلغه بأنّ مركز المدينة مضطرب ويحتمل أن يقوم الناس بقتل هؤلاء الأنبياء ، أسرع وأوصل نفسه إلى مركز المدينة ودافع عن الحق بما إستطاع ؛ بل إنّه لم يدّخر وسعاً في ذلك.
التعبير ب «رجل» بصورة النكرة إشارة إلى أنّه كان فرداً عادياً ، ليس له قدرة أو إمكانية متميّزة في المجتمع ، لكي يأخذ المؤمنين في عصر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله درساً بأنّهم وإن كانوا قلّة في عصر صدر الإسلام ، إلّاأنّ المسؤولية تبقى على عواتقهم ، وأنّ السكوت غير جائز حتى للفرد الواحد.
والآن لننظر إلى هذا الرجل المجاهد ، بأي منطق وبأي دليل خاطب أهل مدينته؟
فقد أشار أوّلاً إلى هذه القضية : (اتَّبِعُوا مَن لَايَسْئَلُكُمْ أَجْرًا). فتلك القضيّة بحدّ ذاتها الدليل الأوّل على صدق هؤلاء الرسل ، فهم لا يكسبون من دعوتهم تلك أيّة منفعة مادية شخصية ، ولا يريدون منكم مالاً ولا جاهاً ولا مقاماً ، وحتى أنّهم لا يريدون منكم أن تشكروهم. والخلاصة : لا يريدون منكم أجراً ولا أي شيء آخر.
وهذا ما أكّدت عليه الآيات القرآنية مراراً فيما يخصّ الأنبياء العظام ، كدليل على إخلاصهم وصفاء قلوبهم ، وفي سورة الشعراء وحدها تكرّرت هذه الجملة خمس مرّات (وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْرٍ).
ثم يضيف : إنّ هؤلاء الرسل كما يظهر من محتوى دعوتهم وكلامهم انّهم أشخاص مهتدون : (وَهُمْ مُّهْتَدُونَ).
ثم ينتقل إلى ذكر دليل آخر على التوحيد الذي يعتبر عماد دعوة هؤلاء الرسل ، فيقول : (وَمَا لِىَ لَاأَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى).
فإنّ من هو أهل لأن يُعبد هو الخالق والمالك والوهّاب ، وليس الأصنام التي لا تُضرّ ولا تنفع.
وبعد ذلك ينبّه إلى أنّ المرجع والمآل إلى الله سبحانه فيقول : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). أي : لا تتصوروا أنّ الله له الأثر والفاعلية في حياتكم الدنيا فقط ، بل إنّ مصيركم في العالم الآخر إليه أيضاً ، فتوجّهوا إلى من يملك مصيركم في الدارين.
وفي ثالث استدلال له ينتقل إلى الحديث عن الأصنام وإثبات العبودية لله بنفي العبودية للأصنام ، فيكمل قائلاً : (ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرّ لَّاتُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيًا وَلَا يُنقِذُونِ).