الآية التي بعدها توضّح الأمر الذي من أجله أقسم الله تعالى في مقدمة السورة الكريمة : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
بعد ذلك تضيف الآية : (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ).
فإنّ عزّته ورحمته إحداهما مظهر للإنذار والاخرى للبشارة ، وبإقترانهما جعل هذا الكتاب السماوي العظيم في متناول البشرية.
الآية التالية تشرح الهدف الأصلي لنزول القرآن كما يلي : (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ). أي إنّه لم يأت نذير لآبائهم.
إنّ الهدف من نزول القرآن الكريم كان تنبيه الناس الغافلين ، وتذكيرهم بالمخاطر المحيطة بهم ، والذنوب والمعاصي التي إرتكبوها ، والشرك وأنواع المفاسد التي تلوّثوا بها.
ثم يتنبّأ القرآن الكريم بما يؤول إليه مصير الكفار والمشركين فيقول تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَايُؤْمِنُونَ).
والمراد من «القول» هنا الوعيد الإلهي لكل أتباع الشيطان بالعذاب في جهنم.
فإنّ ذلك يخصّ اولئك الذين قطعوا كل إرتباط لهم بالله سبحانه وتعالى ، وأغلقوا عليهم منافذ الهداية بأجمعها ، فهم لن يؤمنوا أبداً.
الآية التي بعدها تواصل وصف تلك الفئة المعاندة ، فتقول : (إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَاقِهِمْ أَغْللاً فَهِىَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ). أي : مرفوعي الرأس لوجود الغلّ حول الأعناق.
«أغلال» : جمع «غل» من مادة «غلل» ويعني تدرع الشيء وتوسطه ، ومنه الغلل (على وزن عمل) للماء الجاري بين الشجر. و «الغل» الحلقة حول العنق أو اليدين وتربط بعد ذلك بسلسلة ، وبما أنّ العنق أو اليدين تقع في ما بينها فقد استعملت هذه المفردة في هذا المورد.
ويا له من تمثيل رائع حيث شبّه القرآن الكريم حال عبدة الأوثان المشركين بحال هذا الإنسان ، فقد طوّقوا أنفسهم بطوق «التقليد الأعمى» ، وربطوا ذلك بسلسلة «العادات والتقاليد الخرافية» فكانت تلك الأغلال من العرض والإتّساع أنّها أبقت رؤوسهم تنظر إلى الأعلى وحرمتهم بذلك من رؤية الحقائق ، وبذلك فإنّهم أسرى لا يملكون القدرة والفعّالية والحركة ، ولا قدرة الإبصار.
فإنّ الآية أعلاه ، تعتبر شرحاً لحال تلك الفئة الكافرة في الدنيا وحالهم في عالم الآخرة الذي هو تجسيد لمسائل هذا العالم.