حيث أشار القرآن إلى ذلك بعد الجملة الاولى من الآية بالقول : (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا).
هذا التعبير يدلّل على أنّهم كانوا قبل بعثة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ـ وعلى خلاف ما يدّعون ـ بعيدين عن دين الله سبحانه وتعالى ، فقد كانت حنيفية إبراهيم معروفة بينهم ، إلّاأنّهم لم يكونوا يحترمونها.
الآية التالية توضيح لما في الآية السابقة ، تقول : إنّ بُعدهم عن الحق لأنّهم سلكوا طريق الاستكبار في الأرض ، ولم تكن لديهم أهلية الخضوع لمنطق الحق : (اسْتِكْبَارًا فِى الْأَرْضِ). وكذلك لأنّهم كانوا يحتالون ويسيئون (وَمَكْرَ السَّيّىِ).
ولكن (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السّيّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
جملة «لا يحيق» : الفعل (يحيق) من (حاق) بمعنى نزل وأصاب ، والجملة معناها «لا ينزل ولا يصيب ولا يحيط» ؛ إشارة إلى أنّ الاحتيال قد يؤدي ـ مؤقتاً ـ إلى الإحاطة بالآخرين ، ولكنّه في النهاية يعود على صاحبه ، فهو مفضوح وضعيف وعاجز أمام خلق الله ، وسيندمون حتماً أمام الله سبحانه وتعالى ، وذلك هو المصير المشؤوم الذي انتهى إليه مشركو مكة.
هذه الآية تريد القول بأنّهم لم يكتفوا فقط بالإبتعاد عن النبي صلىاللهعليهوآله ، بل إنّهم استعانوا بكل قدرتهم واستطاعتهم لأجل إنزال ضربة قوية به وبدعوته ، والسبب في كل ذلك لم يكن سوى الكبر والغرور وعدم الرضوخ للحق.
ختام الآية تهديد لتلك المجموعة المستكبرة الماكرة والخائنة ، وبجملة عميقة المعنى وبكلمات تهزّ المشاعر ، يقول تعالى : (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ).
هذه الجملة تشير إلى جميع المصائر المشؤومة التي أحاقت بالأقوام السالفة كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، حيث أصاب كلاً منهم بلاء عظيم.
ثم تضيف الآية لزيادة التأكيد قائلة : (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).
الآية التالية تدعو هؤلاء المشركين والمجرمين إلى مطالعة آثار الماضين والمصير الذي وصلوا إليه ، حتى يروا بامّ أعينهم في آثارهم ومواطنهم السابقة جميع ما سمعوه ، وبذا يتحول البيان إلى العيان ، فتقول الآية الكريمة : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).