فإذا كانوا يتصورون أنّهم أشد قوة من اولئك فهم على إشتباه عظيم ، لأنّ الأقوام السالفة كانت أقوى منهم : (وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
إضافةً إلى أنّ الإنسان مهما بلغ من القوة والقدرة ، فإنّ قدرته وقوته لا شيء إزاء قوة الله ، لماذا؟ لأنّه (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ ومِن شَىْءٍ فِى السَّموَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ). فهو العليم القدير : (إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) ، لا يخفى عليه شيء ، ولا يستعصي على قدرته شيء ، ولا يغلبه أحد.
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (٤٥)
لولا لطف الله ورحمته : الآية مورد البحث وهي الآية الأخيرة من آيات سورة فاطر ، وبعد تلك البحوث الحادّة والتهديدات الشديدة التي مرّت في الآيات المختلفة للسورة ، تنهي هذه الآية السورة ببيان اللطف والرحمة الإلهية بالبشر ، تماماً كما ابتدأت السورة بذكر إفتتاح الله الرحمة للناس.
زيادة على ذلك ، فإنّ الآية السابقة التي تهدّد المجرمين والكفار بمصير الأقوام الغابرين ، تطرح كذلك السؤال التالي ، وهو إذا كانت السنّة الإلهية ثابتة على جميع الطغاة والعاصين ، فلماذا لا يُعاقب مشركو مكة؟! وتجيب على السؤال قائلة : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا). ولا يمنحهم فرصة لإصلاح أنفسهم والتفكّر في مصيرهم وتهذيب أخلاقهم : (مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) (١).
نعم لو أراد الله مؤاخذتهم على ذنوبهم لأنزل عليهم عقوبات متتالية ، صواعق ، وزلازل ، وطوفانات ، فيدمّر المجرمين ولا يبقى أثراً للحياة على هذه الأرض. (وَلكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) ويعطيهم فرصة للتوبة وإصلاح النفس.
هذا الحلم والإمهال الإلهي له أبعاد وحسابات خاصة ، فهو إمهال إلى أن يحلّ أجلهم (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا).
|
نهاية تفسير سورة فاطر |
* * *
__________________
(١) «دابّة» : من مادة «دبّ» والدبّ والدبيب مشي خفيف ، ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ، ويستعمل في كل حيوان وإن اختّصت في التعارف بالخيل.