وللتأكيد تضيف الآية قائلة : (وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ).
فلا الأصنام التي صنعتموها ولا الملائكة ، ولا غير ذلك ، لا أحد غير الله قادر على ذلك.
وفي ختام الآية ـ لكي يبقى طريق الأوبة والإنابة أمام المشركين الضالّين مفتوحاً ـ يقول تعالى محبّذاً لهم التوبة في كل مرحلة من الطريق : (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
فبمقتضى (حلمه) لا يتعجّل عقابهم ، وبمقتضى (غفرانه) يتقبّل توبتهم ـ بشرائطها ـ في أي مرحلة من مراحل مسيرهم.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (٤٤)
سبب النّزول
في تفسير الدرّ المنثور : بلغ قريشاً قبل مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم فقالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذّبوهم ، فوالله لئن أتانا رسول لنكوننّ أهدى من إحدى الامم. فلّما أشرقت شمس الإسلام من افق بلادهم ، وجاءهم النبي صلىاللهعليهوآله بالكتاب السماوي ، رفضوا ، بل كذّبوا ، وحاربوا ، ومارسوا أنواع المكر والخديعة. فنزلت الآيات أعلاه تلومهم وتوبّخهم على إدّعاءاتهم الفارغة.
التّفسير
إستكبارهم ومكرهم سبب شقائهم : تواصل هذه الآيات الحديث عن المشركين ومصيرهم في الدنيا والآخرة. الآية الاولى تقول : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ).
فعندما طالعوا صفحات التاريخ ، تعجّبوا كثيراً وادّعوا لأنفسهم الإدّعاءات وتفاخروا على هؤلاء بأن يكون حالهم أفضل منهم.