الحياة ، أعطاهم العقل والشعور والإدراك ، وعلّمه طريقة الاستفادة من تلك الإمكانات ، فكيف نسي الإنسان والحال هذه ولي نعمته الأصلي.
هذه الجملة بيان ل «توحيد الربوبية» الذي هو دليل على «توحيد العبادة». وهذه الجملة أيضاً تنبيه للبشر جميعاً ليعلموا بأنّ مكثهم ليس أبديّاً ولا خالداً ، فكما أنّهم خلائف لأقوام آخرين ، فما هي إلّامدّة حتى ينتهي دورهم ويكون غيرهم خلائف لهم.
لذا تردف الآية قائلة : (فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا).
فغضبه بمعنى رفع الرحمة ومنع اللطف الإلهي من شمول اولئك الذين ارتكبوا السيئات.
الآية التالية ترد على المشركين بجواب قاطع حازم ، وتذكّرهم بأنّ الإنسان إذا اتّبع أمراً أو تعلّق بأمر ، فيجب أن يكون هناك دليل عقلي على هذا الأمر ، أو دليل نقلي ثابت ، وأنتم أيّها الكفار حيث لا تملكون أيّاً من الدليلين فليس لديكم سوى المكر والغرور. تقول الآية الكريمة : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّموَاتِ). فهل خلقوا شيئاً في الأرض ، أم شاركوا الله في خلق السماوات؟!
ومع هذا الحال فما هو سبب عبادتكم لها ، لأنّ كون الشيء معبوداً فرع كونه خالقاً.
والآن بعد أن ثبت أنّكم لا تملكون دليلاً عقلياً على ادّعائكم ، فهل لديكم دليل نقلي؟ (أَمْءَاتَيْنهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيّنَتٍ مِّنْهُ).
كلّا ، فليس لديهم أيّ دليل أو بيّنة أو برهان واضح من الكتب الإلهية ، إذاً فليس لديهم سوى المكر والخديعة : (بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا).
وتنتقل الآية التي بعدها إلى الحديث عن حاكمية الله سبحانه وتعالى على مجموعة السماوات والأرض ، وفي الحقيقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحيد الخالقية والربوبية بعد نفي اشتراك المعبودات الوهمية في عالم الوجود فتقول : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا).
فليس بدء الخلق ـ فقط ـ مرتبطاً بالله ، فإنّ حفظ وتدبير الخلق مرتبط بقدرته أيضاً ، بل إنّ المخلوقات في كل لحظة لها خلق جديد ، وفيض الوجود يغمر الخلق لحظة بعد اخرى من مبدأ الفيض. ولو قطعت الرابطة بين الخلق وبين ذلك المبدأ العظيم الفيّاض ، فليس إلّاالعدم والفناء.