والحاجات البشرية ، لأنّه نازل من الله سبحانه وتعالى الذي يعرف عباده خير معرفة ، وهو البصير الخبير فيما يتعلق بحاجاتهم.
«الخبير» : العالم بالبواطن والعقائد والنيات والبُعد الروحي في الإنسان ؛ و «البصير» : العالم بالظواهر والبعد الجسماني للإنسان.
الآية التالية تتحدث في موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الكتاب السماوي العظيم ، اولئك الذين رفعوا مشعل القرآن الكريم بعد نزوله على الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، في زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور ، وهم يحفظونه ويحرسونه ، فتقول : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا).
والمقصود من «الكتاب» هنا ، «القرآن الكريم».
إنّ «الإرث» يطلق على ما يستحصل بلا مشقّة أو جهد ، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب السماوي العظيم للمسلمين هكذا بلا مشقّة أو جهد.
ثم تنتقل الآية إلى تقسيم مهمّ بهذا الخصوص ، فتقول : (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
إنّ الله سبحانه وتعالى قد أوكل مهمّة حفظ هذا الكتاب السماوي ، بعد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله إلى هذه الامة ، الامة التي إصطفاها الله سبحانه ، غير أنّ في تلك الامة مجاميع مختلفة : بعضهم قصّروا في وظيفتهم العظيمة في حفظ هذا الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، وهم مصداق (ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ).
ومجموعة اخرى ، أدّت وظيفتها في الحفظ والعمل بالأحكام إلى حدّ كبير ، وإن كان عملها لا يخلو من بعض الزلّات والتقصيرات أيضاً.
وأخيراً مجموعة ممتازة ، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه ، وسبقوا الجميع في ميدان الإستباق.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (٣٥)