التجارة المربحة مع الله : بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى مرتبة الخوف والخشية عند العلماء ، تشير الآيات مورد البحث إلى مرتبة «الأمل والرجاء» عندهم أيضاً. يقول تعالى أوّلاً : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ).
إنّ «التلاوة» هنا لا تعني مجرّد القراءة السطحية الخالية من التفكر والتأمل ، بل قراءة تكون سبباً وباعثاً على التفكّر ، الذي يكون بدوره باعثاً على العمل الصالح ، الذي يربط الإنسان بالله من جهة ، ومظهر ذلك الصلاة ، ويربطه بخلق الله من جهة ثانية ، ومظهر ذلك الإنفاق من كل ما تفضّل به الله تعالى على الإنسان.
هذا الإنفاق تارةً يكون (سرّاً) ، فيكون دليلاً على الإخلاص الكامل ؛ وتارةً يكون (علانية) فيكون تعظيماً لشعائر الله ودافعاً للآخرين على سلوك هذا الطريق.
الآية الأخيرة من هذه الآيات ، توضّح هدف هؤلاء المؤمنين الصادقين فتقول : إنّهم يعملون الخيرات والصالحات (لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
هذه الجملة تشير إلى منتهى إخلاصهم ، لأنّهم لا ينظرون إلّاإلى الأجر الإلهي.
(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢)
بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين المخلصين الذين يتلون الكتاب الإلهي ويطبّقون وصاياه ، تتحدث هذه الآيات عن ذلك الكتاب السماوي وأدلّة حقانيته ، وكذلك عن الحملة الحقيقيين لذلك الكتاب ، وبذا يستكمل الحديث الذي إفتتحته الآيات السابقة حول التوحيد ، بالبحث الذي تثيره هذه الآيات حول النبوّة. تقول الآية الكريمة : (وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ).
جملة (مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) دليل آخر على صدق هذا الكتاب السماوي.
جملة (إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) توضّح علة حقانية القرآن وإنسجامه مع الواقع