الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن : هذه الآيات نتيجة لما ورد ذكره في الآيات الماضية. يقول تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا).
«جنات» : جمع «جنّة» بمعنى (الروضة) وكل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ؛ و «عدن» : بمعنى الإستقرار والثبات ، وعليه فإنّ «جنات عدن» بمعنى «جنات الخلد والدوام والإستقرار». فإنّ هذا التعبير يشير إلى أنّ نعم الجنة العظيمة خالدة وثابتة.
ثم تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنة ، بعضها إشارة إلى جانب مادي وبعضها الآخر إلى جانب معنوي وباطني ، وبعض أيضاً يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات. فتقول الآية : (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ).
فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدنيا إلى بريقها وزخرفها ، ولم يكونوا أسرى التفكير باللباس الفاخر ، والله سبحانه وتعالى يعوّضهم عن كل ذلك ، فيلبسهم في الآخرة أفخر الثياب.
بعد ذكر تلك النعمة المادية ، تنتقل الآية مشيرة إلى نعمة معنوية خاصة فتقول : (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).
«الحزن» : (على وزن عدم) ، و «الحزن» ـ على وزن عُسر ـ كليهما لمعنىً واحد ، وأصله الوعورة والخشونة في الأرض واطلق على الخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم ويضادّه الفرح.
ثم يضيف أهل الجنة هؤلاء : (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
فبغفرانه أزال عنّا حسرة الزلّات والذنوب ، وبشكره وهبنا المواهب الخالدة التي لن يلقى عليها الغم بظلاله المشؤومة.
أخيراً تنتقل الآية مشيرة إلى آخر النعم ، وهي عدم وجود عوامل الإزعاج والمشقة والتعب والعذاب ، فتحكي عن ألسنتهم (الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَايَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ).
«النصب» : بمعنى التعب ؛ و «اللغوب» : يطلق على المشاقّ الروحية.
وبذا فلا وجود هناك لعوامل التعب والمشقّة ، سواء كانت نفسية أو جسمانية.
* * *