وفي الآية التالية تطرح مسألة تنوع الألوان في البشر والأحياء الاخرى ، فيقول تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ).
فالبشر مع كونهم جميعاً لأب واحد وام واحدة ، إلّاأنّهم عناصر وألوان متفاوتة تماماً ، فالبعض أبيض البشرة كالوفر ، والبعض الآخر أسود كالحبر ، وحتى في العنصر الواحد فإنّ التفاوت في اللون شديد أيضاً.
ناهيك عن التفاوت والإختلاف الكامل في بواطنهم عدا أشكالهم الظاهرية ، وفي خلقهم ورغباتهم وخصوصيات شخصياتهم وإستعداداتهم وذوقهم.
وبعد عرض تلك الأدلة التوحيدية يقول تعالى في الختام جامعاً : نعم إنّ الأمر كذلك (كَذلِكَ).
ولأنّ إمكانية الإنتفاع من آيات الخلق العظيمة هذه تتوفّر أكثر عند العباد العقلاء والمفكرين يقول تعالى في آخر الآية : (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمؤُا).
نعم فالعلماء من بين جميع العباد ، هم الذين نالوا المقام الرفيع من الخشية «وهي» الخوف من المسؤولية متوافق مع إدراك لعظمة الله سبحانه ، حالة (الخشية) هذه تولّدت نتيجة سبر أغوار الآيات الآفاقية والأنفسية ، والتعرّف على حقيقة علم وقدرة الله وغاية الخلق.
الراغب في مفرداته يقول : «الخشية» خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخشى منه ، ولذلك خصّ العلماء بها.
روي ـ في تفسير مجمع البيان ـ عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم».
وفي ختام الآية يقول تعالى ، كدليل موجز على ما مرّ : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).
«عزّته» وقدرته اللامتناهية منبع للخوف والخشية عند العلماء ، و «غفرانه» سبب في الرجاء والأمل عندهم ، وبذا فإنّ هذين الاسمين المقدّسين يحفظان عباد الله بين الخوف والرجاء ، ونعلم بأنّه لا يمكن إدامة الحركة باتّجاه التكامل بدون الإتصاف بهاتين الصفتين بشكل متكافيء.
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٠)