وما تستوي الظلمات ولا النور : تذكر الآيات مورد البحث ـ بما يتناسب مع البحوث التي مرّت حول الإيمان والكفر في الآيات السابقة ـ أربعة أمثلة جميلة للمؤمن والكافر ، توضّح بأجلى شكل آثار الإيمان والكفر.
في المثال الأوّل : شبّه «الكافر» والمؤمن ب «الأعمى والبصير»حيث تقول الآية الكريمة : (وَمَا يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ).
الإيمان نور وإشراق ، يعطي البصيرة والمعرفة للإنسان في النظرة إلى العالم ، وفي الإعتقاد ، والعمل وفي كل الحياة ، أمّا الكفر فظلمة كالحة ، فلا إعتقاد صحيح ونظرة سليمة عن العالم ، ولا عمل صالح.
وبما أنّ العين المبصرة وحدها لا تكفي لتحقق الرؤية ، فيجب توفّر النور والإضاءة أيضاً لكي يستطيع الإنسان الإبصار بمساعدة هذين العاملين ، تضيف الآية التالية : (وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ).
لأنّ الظلام منشأ الضلال ، الظلام سبب السكون والركود ، الظلام مسبّب لكل أنواع المخاطر ، أمّا النور والضياء فهو منشأ الحياة والمعيشة والحركة والرشد والنمو والتكامل.
ثم تضيف الآية : (وَلَا الظّلُّ وَلَا الْحَرُورُ). فالمؤمن يستظل في ظل إيمانه بهدوء وأمن وأمان ، أمّا الكافر فلكفره يحترق بالعذاب والألم.
ثم يقول تعالى في آخر تشبيه : (وَمَا يَسْتَوِى الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ). المؤمنون حيويون ، سعاة متحركون ، أمّا الكافر فمثل الخشبة اليابسة ، لا فيها طراوة ولا ورق ولا ورد ولا ظل لها ، ولا تصلح إلّاحطباً للنار.
وفي ختام الآية يضيف تعالى : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ). لكي يسمع دعوة الحق ويلبّي نداء التوحيد ودعوة الأنبياء (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ).
فمهما بلغ صراخك ، ومهما كان حديثك قريباً من القلب ، ومهما كان بيانك معبّراً ، فإنّ الموتى لا يسعهم إدراك شيء من ذلك ، ومن فقد الروح الإنسانية نتيجة الإصرار على المعاصي ، وغرق في التعصب والعناد والظلم والفساد ، فبديهي أن ليس لديه الإستعداد لقبول دعوتك.
وعليه فلا تقلق من عدم إيمانهم ، ولا تجزع ، فليس عليك من وظيفة إلّاالإبلاغ والإنذار (إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ).