الأوّل : من الممكن أن يثير ما ورد في الآية الماضية من قوله تعالى : (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).
سؤالاً في أذهان البعض من أنّ المقصودين في هذه الآية ليس المذنبين فقط ، فهل يمكن أن يكون هؤلاء أيضاً معرضين للعقوبات المترتبة على أعمال الطالحين ، ويُحكمون بالفناء على حد سواء؟ هنا يجيب : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
«وزر» : بمعنى الثقل ، وقد اخذ من «وَزر» (على زنة كرب) بمعنى الملجأ في الجبل ، وأحياناً يأتي بمعنى المسؤولية.
وهذه الجملة ترتبط من جانب بالعدل الإلهي ، بحيث يرتهن كل بعمله ، ومن جانب آخر فإنّ فيها إشارة إلى شدّة العقوبة يوم القيامة.
هذه المسألة تطرح في الجملة الثانية من الآية بشكل آخر ، يقول تعالى : (وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَايُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (١).
وفي الجملة الثالثة من الآية ، ترفع الستارة عن حقيقة أنّ إنذارات الرسول صلىاللهعليهوآله لها أثرها في القلوب المهيّأة لذلك فقط ، تقول الآية الكريمة : (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَّبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ).
فإن لم يكن خوف الله متمكّناً من القلب ، ولم يكن هناك إحساس بمراقبة قوة غيبية في السرّ أو العلن ، ولم تنفع الصلاة التي تؤدّي إلى إحياء القلب والتذكير بالله في تقوية ذلك الإحساس ... فلن يكون لإنذارات الأنبياء أثر يذكر.
وفي الجملة (الرابعة) يعود مرّة اخرى إلى حقيقة (إنّ الله غير محتاج لأحد) فتضيف : (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ).
وفي الختام ينبّه في الجملة (الخامسة) إلى أنّ المحسنين والمسيئين إن لم ينالوا جزاء أعمالهم في الدنيا فليس لذلك أهمية ما دام المصير إلى الله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢٣)
__________________
(١) «مثقلة» : بمعنى «الحامل» لحمل ثقيل ويقصد بها هنا حامل الوزر على عاتقه.