(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (٢٦)
لا عجب من عدم إيمان : توصّلنا في الآيات السابقة إلى أنّ هناك أفراداً كالأموات والعميان لا تترك مواعظ الأنبياء في قلوبهم أدنى أثر ، وعلى ذلك فإنّ الآيات مورد البحث تقصد مواساة الرسول صلىاللهعليهوآله بهذا الخصوص وتخفيف آلامه لكي لا يغتمّ كثيراً.
أوّلاً تقول الآية الكريمة : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ).
أوصل نداءك إلى مسامعهم ، بشّرهم بثواب الله ، وأنذرهم عقابه ، سواء استجابوا أو لم يستجيبوا.
ويضيف تعالى في الآية التالية : (وَإِن يُكَذّبُوكَ). فلا عجب من ذلك ، ولا تحزن بسبب ذلك ، لأنّه (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ).
«البيّنات» : بمعنى الدلائل الواضحة والمعجزات التي تثبت حقانية النبي ؛ والمقصود ب «الزبر» : ذلك القسم من كتب الأنبياء التي تحتوي على العبرة والموعظة والنصيحة والمناجاة (كزبور داود) ؛ وأمّا «الكتاب المنير» فتلك المجموعة من الكتب السماوية التي تحتوي على الأحكام والقوانين والتشريعات الاجتماعية والفردية المختلفة مثل التوراة والإنجيل والقرآن.
تشير الآية الأخيرة من هذه الآيات إلى العقاب الأليم لتلك المجموعة فتقول : (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١). فهم لم يكونوا بمنأى عن العقاب الإلهي ، وإن استطاعوا أن يستمروا بتكذيبهم إلى حين.
فبعض عاقبناهم بالطوفان ، وبعض بالريح العاصفة المدمّرة ، وآخرون بالصيحة والصاعقة والزلزلة.
أخيراً لتأكيد وبيان شدّة وقسوة العقوبة عليهم يقول : (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ). ذلك تماماً
__________________
(١) «أخذت» : من مادة «أخذ» بمعنى حيازة الشيء وتحصيله ، لكنّها هنا كناية عن المجازاة ، لأنّ الأخذ مقدّمةللعقاب.