ثم تنتقل الآية إلى ما يقابل كل ذلك فتقول : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ).
«يبور» : من مادة «بوار» و «بوران» في الأصل بمعنى الكساد المفرط ، ولأنّ مثل هذا الكساد يكون سبباً للهلاك ، فقد استخدمت هذه الكلمة للتعبير عن الهلاك والفناء.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢)
مع الإلتفات إلى ما كان من حديث في الآيات السابقة حول التوحيد والمعاد وصفات الله ، تتعرض هذه الآيات أيضاً إلى قسم آخر من آيات «الأنفس» والآفاق التي تدلّل على قدرة الله من جانب ، وعلى علمه من جانب آخر ، وقضية إمكانية المعاد من جانب ثالث.
في البداية تشير إلى خلق الإنسان في مراحله المختلفة فتقول : (وَاللهُ خَلَقَكُم مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا).
وهذه ثلاث مراحل من مراحل خلق الإنسان : الطين ـ والنطفة ـ ومرحلة الزوجية.
بديهي أنّ الإنسان من التراب ، إذ إنّ آدم عليهالسلام خلق من تراب ، كما أنّ جميع المواد سواء التي يتشكّل منها جسم الإنسان ، أو التي يتغذّى عليها ، أو التي تنعقد منها نطفته ، جميعها تنتهي إلى مواد هي ذاتها التي يحتويها التراب.
ثم ينتقل إلى المرحلة الرابعة والخامسة ، «حمل النساء» و «الولادة» فيقول تعالى : (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
أين ذلك التراب الميّت الجامد من الإنسان الحي العاقل الفطن المبتكر؟! وأين تلك النطفة الحقيرة التي تتكوّن من بضع قطرات من الماء المتعفن من ذلك الإنسان الراشد الجميل والمجهز بالحواس والأجهزة العضوية المختلفة.
ثم تشير الآية إلى المرحلتين السادسة والسابعة من هذا البرنامج المذهل بانتقالها إلى