(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠)
تبيّن ممّا مرّ تقسيم الناس إلى مجموعتين «المجموعة المؤمنة» و «المجموعة الكافرة» أو «حزب الله» و «حزب الشيطان» ، وتنتقل هذه الآيات إلى بيان إحدى الخصائص المهمة لهاتين المجموعتين والتي هي في الواقع المصدر لسائر برامجهما. تقول الآية الاولى : (أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا). هل هو كمن يرى الحقائق كما هي من حيث الحسن والقبح؟!
إنّ هذه القضية هي المفتاح لكل مصائب الأقوام الضالة والمعاندة ، الذين يرون أعمالهم القبيحة أعمالاً جميلة ، وذلك لإنسجامها مع شهواتهم وقلوبهم المعتمة.
أمّا من الذي زيّن سوء أعمال هؤلاء في أنظارهم؟
مما لا شك فيه أنّ العامل الأصلي لذلك هو الهوى والشيطان ، ولكن لأنّ الله هو الخالق لذلك الأثر في أعمالهم ، فيمكن نسبة ذلك إلى الله تعالى ، لأنّ الإنسان وفي بداية طريق المعاصي يشعر بعدم الإرتياح حين إرتكاب المعصية ، لسلامة فطرته وحيوية وجدانه وسلامة عقله ، ولكن بتكرار تلك الأعمال يقلّ عدم الإرتياح إلى أن يصل إلى درجة عدم الإكتراث. ثم إذا استمرّ في ذلك الطريق يمسي القبيح جميلاً في نظره ، حتى يصل إلى أن يتوهّم أنّ ذلك من مفاخره وفضائله ، والحال أنّه يغطّ في بِركة آسنةٍ من التعاسة والشقاء.
ثم يضيف القرآن موضّحاً علّة الفرق بين الفريقين فيقول : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ).
وواضح أنّ هذه المشيئة الإلهية توأم لحكمته تعالى ، وإنّما تعطى لكل ما يناسبه ، لذا فإنّ الآية تضيف في الختام : (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ).
ذلك لأجل : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).