الثورة الفكرية أساس لأي ثورة أصيلة : في هذا المقطع من الآيات والآيات التالية ، والتي تشكّل أواخر سورة سبأ المباركة ، يُؤمر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله مرّة اخرى بدعوة هؤلاء بالأدلة المختلفة ليؤمنوا بالحق ، ويرجعوا عن ضلالهم. ففي الآية الاولى إشارة إلى اللبنة الأساسية في كل التحولات والتبدّلات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، فتقول : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).
الملفت للنظر أنّ القرآن الكريم يقول هنا «تتفكّروا» دون أن يذكر بماذا؟ فحذف المتعلق دليل على العموم ، أي في كل شيء ، في الحياة المعنوية والمادية ، في الامور الكبيرة والصغيرة ، وبكلمة : في كل أمر يجب التفكر أوّلاً ، وأهمّ من ذلك كله هو التفكر للعثور على الإجابة للأسئلة الأربعة التالية : من أين جئت؟ لأيّ شيء أتيت؟ إلى أين أذهب؟ وأين أنا الآن؟
تعبير «صاحبكم» إشارة إلى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وإنّه ليس نكرة بالنسبة لكم ، لقد عرفتموه بالأمانة والصدق والإستقامة.
«جنّة» : بمعنى «جنون» وفي الأصل من مادة «جن» بمعنى ستر الشيء عن الحاسّة ، ومن كون أنّ (المجنون) سُتر عقله ، فقد اطلق عليه هذا التعبير ، والجدير بالملاحظة هنا هو أنّ العبارة تريد الكشف عن هذه الحقيقة ، وهي أنّ من يدعو إلى التفكر والإنتباه كيف يكون هو مجنوناً.
جملة (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم) تلخص رسالة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله في مسألة «الإنذار» أي : التحذير من المسؤولية ، ومن المحكمة الإلهية ، والعقاب الإلهي.
فالآية السابقة كانت دعوة للتفكر ونفي أي حالة من عدم التوازن الروحي عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وفي مطلع هذه الآيات ، يتحدث القرآن في عدم مطالبة الرسول صلىاللهعليهوآله بأي أجر مقابل تبليغ الرسالة. تقول الآية الاولى : (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ).
أنا دعوتكم للتفكر ، والآن تأمّلوا ، واسألوا وجدانكم ، أي سبب يدعوني لأن أنذركم من العذاب الإلهي الشديد؟ ، وأي ربح سوف أجنيه من هذا العمل ، لأنّي أساساً لم اطالبكم بأي أجر أو جزاء.
وأنّكم إن لاحظتم أنّي في بعض ما أخبرتكم به عن الله سبحانه وتعالى ، قلت لكم : (لَّا