السابقة حول المشركين الكفار وأقوالهم يوم القيامة ، فتتحدث حول وضع هؤلاء في الدنيا ومواقفهم عند سماعهم القرآن حتى يتّضح أنّ مصيرهم الاخروي المشؤوم إنّما هو نتاج تلك المواقف الخاطئة التي اتّخذوها إزاء آيات الله في الدنيا. تقول الآية الكريمة الاولى : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْءَايَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُءَابَاؤُكُمْ).
فهذا أوّل ردّ فعل لهم إزاء «الآيات البينات» وهو السعي إلى تحريك حس العصبية في هؤلاء القوم المتعصبين.
ثم توضّح الآية مقولتهم الثانية التي قصدوا بها إبطال دعوة النبي صلىاللهعليهوآله فتقول : (وَقَالُوا مَا هذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى).
«إفك» : بمعنى كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه.
وأخيراً ، كان الإتّهام الثالث الذي ألصقوه بالرسول صلىاللهعليهوآله هو (السحر) كما نرى ذلك في آخر هذه الآية : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ).
في الآية التي بعدها ، يشطب القرآن الكريم على جميع تلك الإدّعاءات الواهية ، فيقول : (وَمَاءَاتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ).
وهي إشارة إلى أنّ هذه الإدّعاءات يمكنها أن تكون مقبولة فيما لو جاءهم رسول من قبل بكتاب سماوي يخالف مضمونه الدعوة الجديدة ، فلا بأس أن ينبروا لتكذيبها. أمّا من لا يعتمد إلّاعلى فكره الشخصي ـ بدون أي وحي من السماء ـ وبدون أن يكون له نصيب من علم ، فلا يحق له الحكم لمجرد تلفيقه الخرافات والأوهام.
الآية الأخيرة من هذه الآيات ، تهدّد تلك المجموعة المتمردة بكلمات بليغة مؤثرة فتقول : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) في حين أنّ هؤلاء لم يبلغوا في القوة والقدرة عشر ما كان لُاولئك الأقوام (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَاءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).
فمدنهم المدمّرة بضربات العقوبة الإلهية الساحقة ليست ببعيدة عنكم ... فهي في الشام القريب منكم ، فليكونوا لكم مرآةً للعبرة ، واستمعوا إلى النصائح التي يقولها الدمار ، وقارنوا مصيركم بمصيرهم ، فلا السنّة الإلهية قابلة للتغيير ولا أنتم أقوى منهم.
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)