(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) (٣٨)
بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة في الغاوين من المستكبرين ، فإنّ جانباً آخر من هذا المبحث تعكسه الآيات أعلاه بطريقة اخرى ، فتقول الآية المباركة : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ).
«نذير» : من «الإنذار» وهو الإخبار الذي فيه تخويف ، وإشارة إلى أنبياء الله الذين ينذرون الناس من عذاب الله في قبال الانحرافات والظلامات والذنوب والفساد.
«مترفوها» : جمع «مترف» من مادة «ترف» بمعنى «التوسّع» في النعمة و (المترف) الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش ، وأترفته النعمة أي أطغته.
تشير الآية التالية إلى المنطق الأجوف الذي يتمسك به هؤلاء لإثبات أفضليتهم ولاستغفال العوام فتقول : (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلدًا).
إنّ الله يحبّنا ، فقد أعطانا المال الوفير ، والقوّة البشرية ، وذلك دليل على لطفه بحقّنا وإشارة إلى مقامنا وموقعنا عنده ، ولذلك لن نعاقب أبداً (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
الآية التي بعدها تردّ بأرقى اسلوب على هذا المنطق الأجوف الخدّاع وتنسفه من الأساس ، وبطريق مخاطبة الرسول صلىاللهعليهوآله تقول الآية الكريمة : قل لهم : إنّ ربّي يرزق من يشاء ويقدر لمن يشاء ، وذلك أيضاً طبق مصالح مرتبطة بامتحان الخلق وبنظام حياة الإنسان ، وليس له أي ربط بقدر ومقام الإنسان عند الله سبحانه وتعالى : (قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ).
وعليه فلا يجب إعتبار سعة الرزق دليلاً على السعادة ، وقلّته على الشقاء ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ). طبعاً أكثر الجهّال المغفّلين هم كذلك.