ثم تتابع الآيات هذا المعنى بصراحة أكثر. تقول : (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلدُكُم بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى).
ولكن ليس معنى هذا هو حثّ الإنسان على ترك السعي والدأب اللازم لإقامة الأود ، بل المقصود هو التأكيد على أنّ امتلاك الإمكانات الاقتصادية والقوة البشرية الواسعة لا يمثّل أبداً أيّة قيمة معنوية للإنسان عند الله.
ثم تتناول الآية موضوع المعيار الأصلي لتقييم الناس ، وما يسبّب قربهم منه (على شكل استثناء منفصل) فتقول : (إِلَّا مَنْءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِى الْغُرُفَاتِءَامِنُونَ).
وعليه فجميع المعايير تعود أصلاً إلى هذين الأمرين «الإيمان» و «العمل الصالح».
هنا يشطب القرآن وبصراحة قلّ نظيرها على كل الظنون المنحرفة والخرافات بخصوص عوامل القرب من الله.
كلمة «ضعف» ليست بمعنى «مضاعفة الشيء مرتين فقط ، بل بمعنى «أضعاف مضاعفة لأكثر من مرتين» ، وقد وردت في هذه الآية بهذا المعنى.
«غرفات» : جمع «غرفة» بمعنى الحجرات العلوية من البناء ، والتي غالباً ما تكون إضاءتها أكثر وهواؤها أفضل ، وبعيدة عن الآفات.
التعبير ب «آمنون» فيما يخصّ أهل الجنة ، تعبير جامع يعكس حالة الطمأنينة الروحية والجسدية لهم من كافّة النواحي.
الآية التالية تصف الفريق المقابل لهؤلاء ، فتقول : أمّا هؤلاء الذين يسعون ويجتهدون لتسفيه آياتنا ، لا يؤمنون ولا
يتركون غيرهم يسيرون في طريق الإيمان ، ويتوهّمون أنّهم يستطيعون الفرار من يد قدرتنا ، هؤلاء يحضرون في عذاب أليم يوم القيامة (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِىءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ).
هؤلاء هم الذين اعتمدوا على أموالهم وأولادهم وكثرة عددهم لتكذيب الأنبياء ، وعملوا على إغواء عباد الله.
«معاجزين» : كما ذهب بعض أرباب اللغة إلى أنّ معناه أنّ هؤلاء تصوروا أنّهم يستطيعون الفرار من دائرة قدرة الله تعالى وجزائه وعقابه ، إلّاأنّ هذا التوهّم باطل وسراب خادع.