في حين أنّ «المستضعفين» الذين اتّبعوا بجهلهم «المستكبرين» وهم الذين سلكوا طريق الغرور والتسلط على الآخرين ورسموا لهم منهجهم الشيطاني ، هناك : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).
إنّهم يريدون بذلك إلقاء مسؤولية ذنوبهم على عاتق هؤلاء «المستكبرين» ، مع أنّهم لم يكونوا حاضرين للتعامل معهم بمثل هذه القاطعية في دار الدنيا.
لكن «المستكبرين» لا يبقون على صمتهم بل : (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم).
كلّا ، فلسنا بمسؤولين ، فمع إمتلاككم حرية الإرادة ، استسلمتم لأحاديثنا الباطلة ، وكفرتم وألحدتم متناسين أحاديث الأنبياء المنطقية ، (بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ).
ولكن المستضعفين لا يقتنعون بهذا الجواب ، ويعاودون القول مرّة اخرى لإثبات جرم المستكبرين : (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَروا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا).
فصحيح أنّنا كنّا أحراراً في القبول بذلك ، ولكن باعتباركم عامل الفساد فأنتم مسؤولون ومجرمون ، خاصة وأنّكم كنتم تتحدثون معنا دائماً من موقع القدرة والسلطة.
لذا فإنّ الفريقين يندمون على ما قدّمت أيديهم ، المستكبرون على إضلالهم للآخرين ، والمستضعفون على إيمانهم وقبولهم بتلك الأباطيل المشؤومة ، ولكن لكي لا يفتضحوا أكثر فانّهم يكتمون الندم حينما يواجهون العذاب الإلهي ... (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْللَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
فهم في الدنيا حينما يلتفتون إلى إشتباههم ويندمون لم يكونوا يمتلكون الشجاعة لإظهار ندمهم الذي هو أوّل طريق التوبة وإعادة النظر ، وتلك هي الخصلة الأخلاقية الخاصة بهم والتي يمارسونها في الآخرة أيضاً.
فإنّ هؤلاء قد وجدوا نتائج أعمالهم : (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فالآية تشير أيضاً إلى قضية تجسم الأعمال.
التعبير ب «الذين كفروا» يشير إلى أنّ فريقي الغاوين والمغويين المستضعفين وكل الكفار يلقون ذلك المصير.