(وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً) (٦٧)
الصفات الخاصة لعباد الرحمن : هذه الآيات ـ فما بعد ـ تستعرض بحثاً جامعاً فذاً حول الصفات الخاصة لعباد الرحمن ، وتبيّن اثنتي عشر صفة من صفاتهم الخاصّة ، إكمالاً للآيات الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله «الرحمن» يقولون وملء رؤوسهم استهزاء وغرور «وما الرحمن؟» ورأينا أنّ القرآن يعرّف لهم «الرحمن» ضمن آيتين ، وجاء الدور الآن ليعرّف «عباد الرحمن».
إنّ أوّل صفة ل «عباد الرحمن» هو نفي الكبر والغرور والتعالي ، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي ، لأنّ الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث إنّ من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه ـ بدقة ـ من أسلوب مشيته. يقول تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِين يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (١).
نعم ، إنّهم متواضعون ، والتواضع مفتاح الإيمان ، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر.
الصفة الثانية ل «عباد الرّحمن» الحلم والصبر ، كما يقول القرآن في مواصلته هذه الآية : (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجهِلُونَ قَالُوا سَلمًا). السلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة ، وليس الناشيء عن الضعف ؛ وليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة ، بل السلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة.
وتتناول الآية الثانية ، خاصيتهم الثالثة التي هي العبادة الخالصة لله ، فيقول تعالى :
__________________
(١) «هون» : مصدر ، وهو بمعنى الناعم والهادي المتواضع ، واستعمال المصدر في معنى اسم الفاعل هنا للتوكيد ؛ يعني أنّهم في ما هم عليه كأنّهم عين الهدوء والتواضع.