أشار القرآن
المجيد في هذه الآيات إلى تاريخ الامم الماضية ومصيرهم المشؤوم مؤكّداً على ست
أمم. يقول أوّلاً : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا
مُوسَى الْكِتبَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هرُونَ وَزِيرًا).
فقد القيت على
عاتقيهما المسؤولية الثقيلة في جهاد الفراعنة ، ويجب عليهما مواصلة هذا العمل
الثوري بمساعدة أحدهما الآخر حتى يثمر : (فَقُلْنَا اذْهَبَا
إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا). فإنّهم قد كذبوا دلائل الله وآياته التي في الآفاق وفي
الأنفس وفي كل عالم الوجود ، ومن جهة أخرى أعرضوا عن تعاليم الانبياء السابقين
وكذبوهم.
ولكن بالرغم من
جميع الجهود والمساعي التي بذلها موسى وهارون ، بالرغم من رؤية كل تلك المعجزات
العظيمة والبينات المتنوعة ، أصروا أيضاً على طريق الكفر والإنكار ، لذا (فَدَمَّرْنهُمْ تَدْمِيرًا). «تدمير» : من مادة «دمار» بمعنى الإهلاك باسلوب يثير العجب.
وكذلك : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا
الرُّسُلَ أَغْرَقْنهُمْ وَجَعَلْنهُمْ لِلنَّاسِءَايَةً وَأَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا).
وكذلك : (وَعَادًا وَثَمُودَا وَأَصْحبَ الرَّسّ
وَقُرُونًا بَيْنَ ذلِكَ كَثِيرًا).
«قوم عاد» هم
قوم النبي «هود» العظيم ، الذي بعث في منطقة (الأحقاف) أو (اليمن). و «قوم ثمود»
قوم نبي الله «صالح» الذي بعث في منطقة وادي القرى (بين المدينة والشام).
«رسّ» : في
الأصل بمعنى الأثر القليل ، و «أصحاب الرس» كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر كان
يافث بن نوح غرسها وكان لهم إثنتا عشرة قرية معمورة على شاطىء نهر يقال له «الرسّ»
، ولمّا طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة ، بعث الله إليهم رسولاً من بني
إسرائيل من ولد يهودا ، فدعاهم برهة إلى عبادة الله وترك الشرك ، فلم يؤمنوا ،
فدعا على الشجرة فيبست ، فلمّا رأوا ذلك ساءهم ، فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا
بئراً عميقاً وألقوه فيها ، فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم.
«قرون» : جمع «قرن»
وهي في الأصل بمعنى الجماعة الذين يعيشون معاً في زمان واحد ، ثم أطلقت على الزمان
الطويل (أربعين أو مائة سنة).
لكنّنا لم نجاز
أولئك على غفلة أبداً ، بل (وَكُلًّا ضَرَبْنَا
لَهُ الْأَمْثلَ).
أجبنا على
إشكالاتهم ، مثل الإجابة على الإشكالات التي يوردونها عليك ، أخطرناهم ، أنذرناهم
، كررنا عليهم مصائر وقصص الماضين ، لكن حين لم ينفع أيّ من ذلك أهلكناهم