من عدم إنجاب الولد ، توجّه إلى رحمة ربّه : (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) بحيث لم يسمعه أحد. وذكر في دعائه وهن وضعف العظام باعتبارها عمود بدن الإنسان ودعامته وأقوى جزء من اجزائه : (قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا).
لقد شبّه زكريا نزول الكبر ، وبياض كل شعر رأسه باشتعال النار ، والرماد الأبيض الذي تتركه ، وهذا التشبيه جميل وبليغ جدّاً.
ثم يضيف : (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا). فقد عوّدتني دائماً ـ فيما مضى ـ على استجابة أدعيتي ، ولم تحرمني منها أبداً ، والآن وقد أصبحت كبيراً وعاجزاً فأجدني أحوج من السابق إلى أن تستجيب دعائي ولا تخيّبني.
إنّ الشقاء هنا بمعنى التعب والأذى أي إنّي لم أتعب ولم أتأذّ في طلباتي منك ، لأنّك كنت تقضيها بسرعة.
ثم يبيّن حاجته : (وَإِنّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَاءِى). أي إنّي أخشى من أقربائي أن يسلكوا سبيل الانحراف والظلم ، (وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيًّا). أي مرضياً عندك.
إنّ للإرث هنا مفهوماً ومعنى واسعاً يشمل إرث الأموال كما يشمل إرث المقامات المعنوية ، لأنّ الأشخاص الفاسدين إذا تولّوا أمر هذه الأموال ، فإنّهم سيكونون مصدر قلق حقاً ، وإذا وقعت زمام الامور وقيادة الناس المعنوية بيد أناس منحرفين ، فإنّ ذلك أيضاً يثير المخاوف ، وعلى هذا فإنّ خوف زكريا يمكن توجيهه في كلا الصورتين.
(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (٨) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَنْ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (١٠) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (١١)
بلوغ زكريا أمله : تبيّن هذه الآيات استجابة دعاء زكريا عليهالسلام من قبل الله تعالى استجابة