بحثان
أوّلاً ـ ملاحظات التربوية في هذه القصة التأريخية : هذه القصة تحوي على دروس تربوية كثيرة وفي الواقع أنّها هي الهدف القرآني من إيرادها.
١ ـ إنّ أوّل درس تعلّمنا إيّاه أنّ العمل الدنيوي لا يتمّ دون توفير أسبابه ، لذا فإنّ الله تبارك وتعالى وهب الوسائل والأسباب لتقدم وانتصار ذي القرنين في عمله.
٢ ـ لا تستطيع أي حكومة أن تنتصر بدون ترغيب الأنصار والأتباع ، ومعاقبة المذنبين والمخطئين ، وهذا هو نفس الأساس الذي اعتمد عليه ذو القرنين.
والإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام بلور هذا المعنى في رسالته إلى مالك الأشتر والتي هي برنامج كامل لإدارة البلاد ، إذ يقول عليهالسلام : «ولا يكونن المحسن والمسيىء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة» (١).
٣ ـ التكليف الشاق والتصعّب في الامور وتحميل الناس ما لا يطيقون ، كل هذه الامور لا تناسب الحكومة الإلهية العادلة أبداً.
٤ ـ الحكومة الكبيرة ذات الإمكانات الواسعة لا تتغاضى عن التفاوت والإختلاف القائم في حياة الناس وتراعي شرائط حياتهم المختلفة.
٥ ـ إنّ «ذو القرنين» لم يستبعد حتى تلك المجموعة التي لم تكن تفهم الكلام ، أو كما وصفهم القرآن : (لَّايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) بل إنّه استمع إلى مشاكلهم ، ودأب على رفع احتياجاتهم بأيّ اسلوب كان.
٦ ـ الأمن هو أوّل وأهم شرط من شروط الحياة الإجتماعية السالمة ، لهذا السبب تحمل «ذو القرنين» أصعب الأعمال وأشقّها لتأمين أمن القوم من أعدائهم.
٧ ـ الدرس الآخر الذي يمكن أن نتعلّمه من هذه القصّة ، هو أنّ أصحاب المشكلة الأصليين معنيين بالدرجة الاولى في الإشتراك في الجهد المبذول لحل مشكلتهم.
وعادة فإنّ العمل الذي يتمّ بمساهمة وحضور الأطراف الأصليين في المشكلة يؤدّي إلى إظهار استعداداتهم ويعطي قيمة خاصة للنتائج الحاصلة منه ، وللجهود المبذولة فيه ، ومن ثم يحرص الجميع للحفاظ عليه وإدامته بحكم تحمّلهم لمجهودات إنشائه.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.