ثم تحكي الآيات على لسان العالم قوله : (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مّنْهُ زَكَوةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا). «زكاة» : هنا بمعنى الطهارة والنظافة ، ولها مفهوم واسع حيث تشمل الإيمان والعمل الصالح ، وتتسع للامور الدينية والمادية ، وقد يكون في هذا التعبير ما هو جواب على اعتراض موسى عليهالسلام الذي قال : (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ...» فقال له العالم في الجواب : إنّ هذه النفس ليست زكية ، وأردنا أن يبدلهما ربّهما ابناً طاهراً بدلاً عن ذلك.
وفي الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : (أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيّاً).
في آخر آية من الآيات التي نبحثها ، كشف الرجل العالم عن السر الثالث الذي دعاه إلى بناء الجدار فقال : (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صلِحًا). (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا). (رَحْمَةً مِّن رَّبّكَ).
وأنا كنت مأموراً ببناء هذا الجدار بسبب جميل وإحسان أبوي هذين اليتيمين ، كي لا يسقط وينكشف الكنز ويكون معرّضاً للخطر.
وفي خاتمة الحديث ، ولأجل أن تنتفي أيّ شبهة محتملة ، أو شك لدى موسى عليهالسلام ، ولكي يكون على يقين بأنّ هذه الأعمال كانت طبقاً لمخطط وتوجيه غيبي ، قال العالم : (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى) بل بأمر من الله.
وذلك سرّ ما لم يستطع عليه موسى عليهالسلام صبراً ، إذ قال : (ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا).
دروس قصة خضر وموسى عليهماالسلام : هناك جملة دروس يمكن أن نستفيدها من القصة ، ويمكن لنا أن ندرجها كما يلي :
أ : أهمية العثور على قائد عالم والاستفادة من علمه ، بحيث رأينا أنّ نبيّاً من اولي العزم مثل موسى عليهالسلام يسلك هذا الطريق الطويل ، وقد بذل ما بذل لتحقيقه ، وهذا درس لجميع الناس مهما كان علمهم وفي أيّ عمر كانوا.
ب : جوهرة العلم الإلهي تنبع من العبودية لله تعالى.
ج : يجب تعلّم العلم للعمل ، كما يقول موسى عليهالسلام لصاحبه (مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا). أي : علمني عملاً يقرّبني من هدفي ومقصدي ، فأنا لا أطلب العلم لنفسه ، بل للوصول إلى الهدف.
د : يجب عدم الإستعجال في الأعمال ، إذ العديد من الامور تحتاج إلى الفرص المناسبة.
ه : الظاهر والباطن من المسائل المهمّة الاخرى التي نتعلّمها من القصة ، إذ يجب علينا أن