لَقَدْ جِئْتَ شَيًا إِمْرًا).
وفي هذه الأثناء نظر الرجل العالم إلى موسى عليهالسلام نظرة خاصة وخاطبه : (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا).
أمّا موسى الذي ندم على استعجاله ، بسبب أهمية الحادثة ، فقد تذكّر عهده الذي قطعه لهذا العالم الأستاذ ، لذا فقد التفت إليه قائلاً : (قَالَ لَاتُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا). يعني لقد أخطأت ونسيت الوعد فلا تؤاخذني بهذا الإشتباه.
«ترهقني» : مشتقة من «إرهاق» وتعني تغطية شيء ما بالقهر والغلبة ، وتأتي في بعض الأحيان بمعنى التكليف ، وفي الآية ـ أعلاه ـ يكون معناها : لا تصعّب الامور عليّ ، ولا تقطع فيضك عنّي بسبب هذا العمل.
لقد انتهت سفرتهم البحرية وترجّلوا من السفينة : (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلمًا فَقَتَلَهُ) ، وقد تمّ ذلك بدون أي مقدمات.
وهنا ثار موسى عليهالسلام مرّة اخرى حيث لم يستطع السكوت على قتل طفلٍ بريء بدون أي سبب ، وظهرت آثار الغضب على وجهه وملأ الحزن وعدم الرضا عينيه ونسي وعده مرّةً اخرى ، فقام للإعتراض ، وكان اعتراضه هذه المرّة أشد من اعتراضه في المرّة الاولى ، لأنّ الحادثة هذه المرّة كانت موحشة أكثر من الاولى : (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ). أي إنّك قتلت انساناً بريئاً من دون أن يرتكب جريمة قتل ، (لَّقَدْ جِئْتَ شَيًا نُّكْرًا).
ومرّة اخرى كرّر العالم الكبير جملته السابقة التي إتّسمت ببرود خاص ، حيث قال لموسى عليهالسلام : (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا).
تذكّر موسى تعهده فانتبه إلى ذلك وهو خجل ، حيث أخلّ بالعهد مرتين ـ ولو بسبب النسيان ـ وبدأ تدريجياً يشعر بصدق عبارة الأستاذ في أنّ موسى لا يستطيع تحمل أعماله ، لذا فلا يطيق رفقته كما قال له عندما عرض عليه موسى الرفقة ، لذا فقد بادر إلى الاعتذار وقال : إذا اعترضت عليك مرّة اخرى فلا تصاحبني وأنت في حلّ منّي : (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا).
صيغة العذر هنا تدل على انصاف موسى عليهالسلام ورؤيته البعيدة للُامور ، وتبيّن أنّه عليهالسلام كان