التّفسير
الحفاة الأطهار : من الدروس التي نستفيدها من قصة أصحاب الكهف أنّ مقياس قيمة البشر ليست بالمنصب الظاهري أو بالثروة ، بل عندما يكون المسير في سبيل الله يتساوى الوزير والراعي ، والآيات التي نبحثها تؤكّد هذه الحقيقة المهمة وتعطي للرسول صلىاللهعليهوآله هذا الأمر : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
ثم تستمر الآيات مؤكّدة خطابها للرسول صلىاللهعليهوآله : (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) فلا تنظر إلى هؤلاء المستكبرين بدل المستضعفين من أجل بهارج الدنيا وزخارفها.
ثم من أجل التأكيد مجدداً ، يقول تعالى : (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا).
(وَاتَّبَعَ هَوَيهُ) والمطيع لأهوائه النفسية ، والمفرط في أفعاله دائماً (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (١).
إنّ الموضوع أعلاه من الأهمية بمكان ، بحيث إنّ القرآن يقول للرسول صلىاللهعليهوآله ـ بصراحة ـ في الآية التي بعدها : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
ولكن اعلموا أنّ هؤلاء عباد الدنيا الذين يسخرون من الألبسة الخشنة التي يرتديها أمثال سلمان وأبي ذر خاصة ، والذين يعيشون حياة مرفّهة باذخة ومليئة بالزينة ، ستنتهي عاقبتهم إلى سوء وظلام وعذاب : (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا).
نعم ، إنّهم كانوا إذا عطشوا في هذه الدنيا كان الخدم يجلبون لهم أنواع المشروبات ، ولكنّهم عندما يطلبون الماء في جهنم يؤتى إليهم بماء كالمهل : (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ) (٢). (بِئْسَ الشَّرَابُ). ثم (وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (٣).
وفي هذه الدنيا تتوفر لديهم أنواع المشروبات التي تحضر بين أيديهم بمجرد مناداة الساقي ، وفي جهنم يوجد أيضاً ساقٍ وأشربة ، أمّا ما هو نوع الشراب؟ إنّه ماء كالمعدن المذاب! حرارته كحرارة دموع اليتامى وآهات المستضعفين والفقراء الذين ظلمهم هؤلاء الأغنياء. نعم ، إنّ كل ما هو موجود هناك (في الآخرة) هو تجسيد لما هو موجود هنا (في الدنيا).
وبما أنّ اسلوب القرآن اسلوب تربوي وتطبيقي ، فإنّه بعدما بيّن أوصاف وجزاء عبيد
__________________
(١) «فرط» : تعني التجاوز عن الحد ، وكل شيء يخرج عن حدّه ويتحول إلى إسراف يقال له (فُرط).
(٢) «مُهل» : على وزن «قفل» وهي تعني أي معدن مُذاب.
(٣) «مُرتفق» : من كلمة «رَفق ورفيق» بمعنى محل اجتماع الأصدقاء.