أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما : سلاهم عن محمّد وصِفا لهم صفته ، وخبّراهم بقوله فإنّهم أهل الكتاب الأوّل وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار اليهود عن النبي صلىاللهعليهوآله وقالا لهم ما قالت قريش. فقال لهما أحبار اليهود : إسألوه عن ثلاث فإن أخبركم بهنّ فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل فرأوا فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما كان من أمرهم؟ فإنّه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ، وسلوه عن الروح ما هو؟
وفي رواية اخرى قالوا : فإن أخبركم عن اثنتين ولم يخبركم بالروح فهو نبي.
فانصرفا إلى مكة فقالا : يا معشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمّد وقصّا عليهم القصّة. فجاؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله فسألوه ، فقال صلىاللهعليهوآله : (اخبركم بما سألتم عنه غداً) ولم يستثن فانصرفوا عنه ، فمكث صلىاللهعليهوآله خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل حتى أرجف أهل مكة وتكلّموا في ذلك. فشقّ على رسول الله صلىاللهعليهوآله ما يتكلم به أهل مكة عليه ، ثم جاءه جبرائيل عليهالسلام عن الله سبحانه بسورة الكهف ، وفيها ما سألوه عنه عن أمر الفتية والرجل الطوّاف ، وأنزل عليه : (وَيَسَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الآية.
التّفسير
بداية قصة أصحاب الكهف : في الآيات السابقة كانت هناك صورة للحياة الدنيا ، وكيفية اختبار الناس فيها ، ومسير حياتهم عليها ، ولأنّ القرآن غالباً ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا الحساسة ، أو أنّه يذكر نماذج من التاريخ لتجسيد الوعي بالقضية ، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصة أصحاب الكهف ، وعبّرت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة).
إنّهم مجموعة من الفتية الأذكياء المؤمنين ، الذين كانوا يعيشون في ظل حياة مترفة بالزينة وأنواع النعم ، إلّاأنّهم انسلخوا من كل ذلك لأجل حفظ عقيدتهم وللصراع ضدّ الطاغوت ـ طاغوت زمانهم ـ وذهبوا إلى غار خال من جميع أشكال الزينة والنعم ، وقد أثبتوا بهذا المسلك أمر استقامتهم في سبيل الإيمان والثبات عليه.
في البداية يقول تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنءَايَاتِنَا عَجَبًا).
إنّ لنا آيات أكثر عجباً في السماوات والأرض ، وإنّ كل واحد منها نموذج لعظمة الخالق جلّ وعلا ، وفي حياتكم ـ أيضاً ـ أسرار عجبية تعتبر كل واحدة منها علامة على صدق دعوتك ، وفي كتابك السماوي الكبير آيات عجيبة كثيرة ، وبالطبع فإنّ قصة أصحاب الكهف ليست بأعجب منها.