ونوره فهي مترابطة ومتحدة فيما بينها فتصنع مجتمعاً واحداً متحداً وطاهراً من كل جهة. بينما الظلمات تعني التشتت وتفرقة الصفوف.
ومن هنا لما كان مصدر كل الخير هي الذات الإلهية المقدسة ، والشرط الأساس لدرك التوحيد هو الإلتفات إلى هذه الحقيقة ، فإنّه يضيف بلا فاصلة : (بِإِذْنِ رَبّهِمْ).
ولكي يبيّن أكثر ما هو النور يقول تعالى : (إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). فعزّته دالة على قدرته ، لأنّه لا يستطيع أحد أن يغلبه ، والحميد دالة على نعمه ومواهبه غير المتناهية ، لأنّ الحمد والثناء دائماً تكون في مقابل النعم والمواهب.
الآية الثانية ولكي تعرّف الله بصفاته ، تبيّن درساً من دروس التوحيد حيث تقول : (اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ). فله كل شيء ، لأنّه خالق جميع الموجودات ولهذا السبب هو القادر والعزيز وواهب النعم والحميد.
ثم يتطرّق في نهاية الآية إلى مسألة المعاد (بعد أن ذكر المبدأ) فتقول الآية : (وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).
ثم يُعرّف القرآن الكريم الكفار في الآية الاخرى ، ويذكر لهم ثلاث صفات كيما نستطيع أن نعرفهم من أوّل وهلة ، يقول تعالى أوّلاً : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَخِرَةِ). فهم يضحّون بالإيمان والحق والعدالة والشرف التي هي من خصائص محبّي الآخرة ، من أجل منافعهم الشخصية وشهواتهم.
ثم يبيّن تعالى أنّ هؤلاء غير قانعين بهذا المقدار من الضلال ، بل يسعون في أن يضلّوا الآخرين (وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ). فهم ـ في الواقع ـ يزيّنون الهوى ، ويدعون الناس إلى الذنوب ، ويخوّفونهم من الصدق والإخلاص.
ولا يقتصر عملهم على ذلك فحسب ، بل (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا). ثم يحاولون أن يصبغوا الآخرين بصبغتهم ، ويسعون في أن يحرفوا السبيل للوصول إلى هدفهم من خلال نشر الخرافات وإبتداع السنن الخبيثة (أُولئِكَ فِى ضَللٍ بَعِيدٍ).
وهذا الضلال قد أوجد بُعد المسافة بينهم وبين الحق فكان من العسير جدّاً عودتهم إلى طريق الحق ، ولكن ذلك كان نتيجة لأعمالهم.