يوسف كأنّه البدر أو الشمس الطالعة ، فتحيّرن من جماله (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) وفقدن أنفسهن (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) مكان الفاكهة ، وحين وجدن الحياء والعفة تشرقان من عينيه وقد احمر وجهه خجلاً صحن جميعاً و (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هذَا بَشَرًا إِن هذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).
وفي هذه الحال التي كانت الدماء تسيل من أيدي النسوة وقد لاحظن ملامح يوسف كلها وصرن أمامه «كالخُشُب المسنّدة» كشفن عن أنّهن لسن بأقل من امرأة العزيز عشقاً ليوسف ، فاستغلّت امرأة العزيز هذه الفرصة ف (قَالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ).
وهكذا أحسّت امرأة العزيز بالغرور لأنّها وُفّقت في ما ألقته من فكرة وأعطت لنفسها العذر ، وإعترفت بكل صراحة بكل ما فعلت وقالت : (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ).
وبدلاً من أن تظهر الندم على كلامها أو تتحفّظ على الأقل أمام ضيوفها ، أردفت القول بكل جدّ يحكي عن إرادتها القطعية : (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَاءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ) ... ولا أكتفي بسجنه ، بل (وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ).
ينقل البعض روايات عجيبة مؤدّاها أنّ بعضاً من نسوة مصر أعطين الحق لامرأة العزيز ودرن حول يوسف ليرغبنه بأن يستسلم لحبّها وكل واحدة تكلّمت بكلام.
فقالت واحدة : أيّها الشاب ما هذا الصبر والدلال ، ولِم لا ترحم هذه العاشقة الواهبة قلبها لك ، ألا ترى هذا الجمال الآسر؟ أليس عندك قلب؟! ألست شابّاً؟ ألا تستلذ بالعشق.
وقالت الثانية : إذا كنت لا ترغب في جمالها المثير ولا تحتاج إلى مقامها ومالها ، ولكن ألا تعرف أنّها ستنتقم لنفسها بما اوتيت من وسائل الإنتقام الخطرة.
تهديد امرأة العزيز من جانبها بالسجن من جهة ، ووساوس النسوة من جهة اخرى ، أوقعا يوسف في أزمة شديدة ، وأحاط به طوفان المشاكل ، ولكن حيث إنّ يوسف كان قد صنع نفسه ، فقد صمّم بعزم وشجاعة والتفت نحو السماء ليناجي ربّه وهو في هذه الشدة (قَالَ رَبّ السّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ).
وحيث كان يدري أن لا مهرب له إلّاإلى الله في جميع الأحوال ولا سيما في الساعات الحرجة ، فقد أودع نفسه عند الله بهذا الكلام (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ).
وحيث إنّ وعد الله حقّ ، وأنّه يُعين المجاهد (لنفسه أو لعدوّه) فإنّه لم يترك يوسف سُدىً وتلقفته رحمته ولطفه كما يقول القرآن الكريم : (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ