عن هذا الطريق مدّعين بأنّ الذئب قد أكل يوسف وجاؤوا إليه بدلائل مزيّفة!
يقول القرآن الكريم : (وَجَاءُو أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ) بكاءً كاذباً ، وهذا يدلّ على أنّ البكاء الكاذب ممكن ... ولا يمكن أن يُخدع العاقل ببكاء العين وحدها.
أمّا الأب الذي كان ينتظر مجيىء ولده (يوسف) بفارغ الصبر ، فقد اهتزّ وارتجف حين رأى الجمع وليس بينهم يوسف ، وسأل عنه مستفسراً ... فأجابوه و (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) لصغر سنه ولأنّه لا يعرف التسابق ، وانشغلنا عنه (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ).
ومن أجل أن يبرهنوا على صحة كلامهم فقد (وَجَاءُو عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ). إذ لطخوا الثوب بدم الغزال أو الخروف أو التيس ....
ولكن حيث إنّ الكاذب لا يمتلك حافظة قوية ، فقد غفل إخوة يوسف عن هذه المسألة الدقيقة ... وهي ـ على الأقل ـ أن يخرقوا قميص يوسف الملطخ بالدم ليدل على هجوم الذئب ... فقد قدّموا القميص سالماً غير مخرق فأحس الأب بمؤامرتهم ، فما إن وقعت عيناه على القميص حتى فهم كل شيء و (قَالَ بَلْ سَوَّلَت لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا).
في تفسير القرطبي عن ابن عباس : إنّهم أخذوا ظبياً فذبحوه فطلخوا بدمه القميص ولما جاؤوا به جعل يقلّبه فيقول : «ما أرى أثر ناب ولا ظفر إنّ هذا السبع رحيم». وفي رواية أنّه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص ، وقال : «تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا ، أكل إبني ولم يمزّق عليه قميصه». وجاء أنّه بكى وصاح وخرّ مغشيّاً عليه فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ونادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق ، فقال : ويل لنا من ديّان يوم الدين ، ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق إلّاببرد السحر.
وبالرغم من احتراق قلبه ولهيب روحه لم يجر على لسانه ما يدل على عدم الشكر أو اليأس أو الفزع أو الجزع ، بل قال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ). ثم قال : (وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وأسأله أن يبدل مرارة الصبر في فمي إلى «حلاوة» ويرزقني القوة والقدرة على التحمل أكثر أمام هذا الطوفان العظيم ، لئلا أفقد زمامي ويجري على لساني كلام غير لائق.
ملاحظتان
١ ـ حول الترك الأولى : في تفسير البرهان عن الثمالي قال : صلّيت مع عليّ بن