وهذا درس كبير لكل القادة الإسلاميين بأن لا يخافوا ولا ينهاروا أمام عظمة الأعداء وكثرتهم ، بل إنّهم باتكالهم على الله كانوا يدعون هؤلاء إلى الميدان بكل حزم واقتدار ويستصغرون قوتهم ، فكان هذا عاملاً مهماً في تقوية معنويات الأتباع والمؤيدين ، وتدمير معنويات العدو وانهيارها.
وذكرت الآية التالية بياناً آخر عن نوح من أجل إثبات أحقيّته ، هناك حيث تقول : (فَإِن تَوَّلَيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، فإنّي أعمل له ، ولا أريد الأجر إلّا منه (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
إنّ مقولة نوح هذه درس آخر للقادة الإلهيين بأن لا يتوقعوا أي جزاء مادي ومعنوي من الناس لقاء دعوتهم وتبليغهم ، لأنّ هذا التوقع يوجد نوعاً من التعلق النفسي الذي يؤدّي إلى عرقلة أساليب الدعوة الصريحة والنشاطات الحرة.
وتبيّن الآية الأخيرة عاقبة ومصير أعداء نوح ، وصدق توقعه وقوله السابق بهذه الصورة : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ). ولم ننقذهم وحسب ، بل (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايتِنَا).
وفي النهاية توجه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله وتقول : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ).
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤)
الرسل بعد نوح : بعد انتهاء البحث الإجمالي حول قصّة نوح ، أشارت هذه الآية إلى الأنبياء الآخرين الذين جاؤوا بعد نوح وقبل موسى عليهماالسلام لهداية الناس كإبراهيم وهود وصالح ولوط ويوسف عليهمالسلام فقالت : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيّنَاتِ). فقد كانوا مسلّحين كنوح بسلاح المنطق والإعجاز والبرامج البناءة ، إلّاأنّ الذين سلكوا طريق العناد وكذّبوا الأنبياء السابقين ، كذّبوا هؤلاء الأنبياء أيضاً ولم يؤمنوا بهم (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ). وكان ذلك نتيجة للعصيان والتمرّد وعداء الحق الذي أوصد تلك القلوب (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ).