المجرمين في هذه الدنيا والعالم الآخر ، وتكمل هذه الآيات هذا البحث أيضاً. فالآية الاولى تقول : إنّ هؤلاء يسألونك بتعجب واستفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإلهي في هذا العالم والعالم الآخر : (وَيَسْتَنْبُونَكَ أَحَقُّ هُوَ).
ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد : (قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ). وإذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهي فأنتم على خطأ كبير : (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ).
وتؤكّد الآية الاخرى على عظمة هذه العقوبة ، وخاصة في القيامة ، فتقول : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ).
إنّ هؤلاء مستعدون لأن يدفعوا أكبر رشوة يمكن تصورها من أجل الخلاص من قبضة العذاب الإلهي ، لكن لا أحد يقبل من هؤلاء شيئاً ، ولا ينقص من عذابهم مقدار رأس ابرة ، خاصة وأنّ لبعض هذه العقوبات صبغة معنوية ، وهي أنّهم : يرون العذاب والفضيحة في مقابل أتباعهم مما يوجب لهم اظهار الندم مزيداً من الخزي والعذاب النفسي فلذلك يحاولون عدم ابراز الندم : (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ).
ثم تؤكّد الآية على أنّه بالرغم من كل ذلك ، فإنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالعدل ، ولا يظلم أحد منهم : (وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
ثم ، ومن أجل أن لا يأخذ الناس هذه الوعود والتهديدات الإلهية مأخذ الهزل ، ولكي لايظنوا أنّ الله عاجز عن تنفيذ هذه الوعود ، تضيف الآية : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ). لأنّ جهلهم قد حجب بصيرتهم وجعل عليها غشاوة فلم يعوا الحقيقة.
وتؤكّد آخر آية على هذه المسألة الحياتية مرّة اخرى ، حيث تقول : (هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ). وبناء على ذلك فإنّ له القدرة على إماتة العباد ، كما أنّ له القدرة على إحيائهم لمحكمة الآخرة ، وفي النهاية : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وستلاقون جزاء كل أعمالكم هناك.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨)