وملخص القول : أنّنا لاحظنا في الآية
السابقة كيف ينجو المتقون من نزغ الشيطان ووسوسته بذكر الله ، إلّاأنّ الآثمين
إخوة الشياطين يبتلون بمزيد الوساوس فلا ينسلخون عنها ، كما تعبّر الآية التالية
عن ذلك قائلة : (وَإِخْوَانُهُمْ
يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىّ ثُمَّ لَايُقْصِرُونَ).
«الإخوان» : كناية عن الشياطين ،
والضمير «هم» يعود على المشركين والآثمين.
وجملة (ثُمَّ لَايُقْصِرُونَ)
تعني أنّ الشياطين لا يألون جهداً في إضلال المشركين والآثمين.
ثم تذكر الآية التالية حال جماعة من
المشركين والمذنبين البعيدين عن المنطق ، فتقول : إنّهم يكذبونك ـ يا رسول الله ـ عندما
تتلو عليهم آيات القرآن ، ولكن عندما لا تأتيهم بآية ، أو يتأخر الوحي يتساءلون عن
سبب ذلك : (وَإِذَا لَمْ
تَأْتِهِم بَايَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا)
. ولكن قل لهم إنّني
لا اعمل ولا أقول إلّابما يوحي الله إليّ : (قُلْ إِنَّمَا
أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى هذَا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
(وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)
وَاذْكُرْ
رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ
(٢٠٥) إِنَّ
الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)
(٢٠٦)
وإذا
قرىء القرآن فاستمعوا وانصتوا : لقد
بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن ، وتنتهي بالآيات ـ محل البحث ـ
التي تتكلم عن القرآن أيضاً. في البداية تقول الآية : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ويستفاد من ظاهر الآية أنّ هذا الحكم
عام غير مختص بحال ما ولا وقت معين ، أي ينبغي إن قرىء القرآن ـ حيثما كان وكيف
كان ـ أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراماً للقرآن ، لأنّ القرآن ليس كتاب قراءة فحسب
، بل هو كتاب فهم وإدراك ، ثم هو كتاب عمل أيضاً.
__________________