على العكس : (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً).
بعد ذكر هذه الصفات الثلاث الحاكية برمتها عن تصلب هذا الفريق تجاه الحق ، أشار إلى عللها وأسبابها ، فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).
ثم تبين الآية اللاحقة عقوبة مثل هؤلاء الأشخاص وتقول : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا وَلِقَاءِ الْأَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ).
«الحبط» : يعني بطلان العمل وفقدانه للأثر والخاصية ، يعني أنّ مثل هؤلاء الأفراد حتى إذا عملوا خيراً فإنّ عملهم لن يعود عليهم بنتيجة.
وفي ختام الآية أضاف بأنّ هذا المصير ليس من باب الإنتقام منهم ، إنّما هو نتيجة أعمالهم هم ، بل هو عين أعمالهم ذاتها وقد تجسمت أمامهم (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
إنّ هذه الآية نموذج آخر من الآيات القرآنية الدالة على تجسم الأعمال ، وحضور أعمال الإنسان خيرها وشرها يوم القيامة.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (١٤٩)
اليهود وعبادتهم للعجل : في هذه الآيات يقصّ القرآن الكريم إحدى الحوادث المؤسفة ، وفي نفس الوقت العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسى عليهالسلام إلى ميقات ربه ، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى «السامري» مستعيناً بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة. وفي الآية الحاضرة يقول القرآن الكريم أوّلاً : إنّ قوم موسى عليهالسلام بعد ذهابه إلى ميقات ربّه صنعوا من حليّهم عجلاً ، وكان مجرّد تمثال لا روح فيه ، ولكنه كان له صوت كصوت البقر ، واختاروه معبوداً لهم : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ).
كيف كان للعجل الذهبي خوار؟ و «الخوار» هو الصوت الخاص الذي يصدر من البقر أو العجل ، وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ السامري بسبب ما كان عنده من معلومات وضع