«الاميّون» : جمع امّيّ ، والامّيّ غير الدارس ، وسمّوا بذلك لأنّهم في معلوماتهم كما ولدتهم امهاتهم ، أو لشدّة تعلق امّهاتهم بهم ، صعب عليهنّ فراقهم جهلاً ، ومنعنهم من الذهاب إلى المدرسة. والأماني جمع امنية ، ولعل الآية تشير هنا إلى الإمتيازات الموهومة التي كان ينسبها اليهود لأنفسهم ، كقولهم : (نَحْنُ أَبْنؤُا اللهِ وَأَحِبؤُهُ) (١).
ومن المحتمل أيضاً أن يكون المقصود من الأماني ، الآيات المحرفة التي كان علماء اليهود يشيعونها بين الاميين من الناس.
ثمة مجموعة اخرى من العلماء كانت تحرف الحقائق لتحقيق مصالحها ، وإلى هؤلاء يشير القرآن : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً).
(فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ).
(وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
وقد أورد بعض المفسرين حديثاً عن الإمام الصادق عليهالسلام في تفسير هذه الآية وفيه ملاحظات هامة :
قال رجل للصادق عليهالسلام : إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلّابما يسمعونه من علمائهم ، فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلّا كعوامنا ، يقلّدون علماءهم ـ إلى أن قال ـ فقال عليهالسلام : «بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة ، وتسوية من جهة ، أمّا من حيث الاستواء فإنّ الله ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم ، كما ذمّ عوامهم ، وأمّا من حيث افترقوا فإنّ عوام اليهود كانوا قدعرفوا علماءهم بالكذب الصّراح ، وأكل الحرام ، والرشاء وتغيير الأحكام ، واضطرّوا بقلوبهم إلى أنّ من فعل ذلك فهو فاسق ، لايجوز أن يصدّق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمّهم ، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر ، والعصبيّة الشديدة ، والتكالب على الدنيا وحرامها ، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم ، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلّابعض فقهاء الشيعة لا كلّهم ، فإنّ من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامّة ، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً ، ولا كرامة ، وإنمّا كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك ، لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا
__________________
(١) سورة المائدة / ١٨.