تساؤل هام : بعض المضللين اتخذوا من الآية الكريمة التي نحن بصددها وسيلة لبثّ شبهة مفادها أنّ العمل بأي دين من الأديان الإلهيّة له أجر عندالله ، وليس من اللازم أن يعتنق اليهودي أو النصراني الإسلام ، بل يكفي أن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً.
الجواب : نعلم أنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ، والكتاب العزيز يقول : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١).
كما أنّ القرآن مليء بالآيات التي تدعو أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الجديد ، وتلك الشبهة تتعارض مع هذه الآيات. من هنا يلزمنا أن نفهم المعنى الحقيقي للآية الكريمة. ونذكر تفسيرين لها من أوضح وأنسب ما ذكره المفسرون :
١ ـ لو عمل اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم ، لآمنوا حتماً بالنبي صلىاللهعليهوآله لأنّ بشارات الظهور وعلائم النبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية.
٢ ـ هذه الآية تجيب على سؤال عرض لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإسلام ، يدور حول مصير آبائهم وأجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإسلام ، تُرى ، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم وإيمانهم؟
الآية المذكورة نزلت لتقول إنّ كل امة عملت في عصرها بما جاء به نبيّها من تعاليم السماء وعملت صالحاً ؛ فإنّها ناجية ، ولا خوف على أفراد تلك الامة ولا هم يحزنون.
فاليهود المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور المسيح ، والمسيحيون المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور نبي الإسلام.
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٦٤)
الإلتزام بالميثاق : هاتان الآيتان تطرحان مسألة أخذ ميثاق بني إسرائيل بشأن العمل بالتوراة ، ثم نقضهم للميثاق : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ). والطور جبل
__________________
(١) سورة آل عمران / ٨٥.