منهج للاختبار وبناء الذات ، وليس هذا مكان الأطعمة المتنوعة ، إذهبوا إلى المدن حيث التنوع في المأكولات ، ولكن لا يوجد فيها المنهج المذكور.
التنوع وطبيعة الإنسان : التنوع هو ـ دون شك ـ من متطلبات البشر ، فلم إذن توجه اللوم والتقريع إلى بني إسرائيل حين طلبوا الخضروات والخيار والفوم والعدس والبصل ليتخلصوا من الطعام الواحد؟!
الجواب يتضح لو علمنا أنّ الحياة الإنسانية تقوم على أساس حقائق هامة لا يمكن التخلّي عنها ، هي الإيمان والطهر والتقوى والتحرّر ، وقد تمر الجماعة البشرية بمرحلة يتعارض فيها هذا الأساس الهام مع متطلبات الإنسان من الطعام والشراب واللذائذ الاخرى ، وهنا تصبح الجماعة أمام خيارين ، إمّا أن تنغمس في اللذات وتترك قيمها وشرفها ، أو تضحي بلذاتها من أجل إنسانيتها وكرامتها.
بنو إسرائيل كانوا يعيشون أمام هذين الخيارين.
ولابد من الإشارة إلى أنّ حقيقة حب التنويع استغلها الطامعون والمستعمرون دوماً ، ليدفعوا الشعوب إلى هاوية حياة استهلاكية شهوانية هابطة ، يعيش الأفراد فيها بين المعلف والمضجع ، ناسين شخصيتهم الإنسانية ، وغافلين عن النير الذي يطوق أعناقهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)
القانون العام للنجاة : بعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل ، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاماً في التقييم وفق المعايير الإلهية ، وهذا المبدأ ينص على أنّ الإيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد ، وليس للتظاهر والتصنّع قيمة في ميزان الله : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١).
__________________
(١) «الصابئين» : كانوا في الأصل أتباع أحد الأنبياء وإن اختلف المحققون في تعيين نبيّهم ، وعدد هؤلاء قليل وهم في حالة إنقراض.