وفي هذه العبارة حثّ لهم على ترك العناد وإيذاء الأنبياء ، وأن يكون هذا أقل شكرهم لله على هذه النعم.
الفرق بين العثو والإفساد : نهى الله سبحانه بني إسرائيل عن الفساد بفعل «لَاتَعْثَوْا» من العثي وهو شدة الفساد. وبهذا يكون معنى «لا تعثوا» هو معنى «المفسدين» ولكنه مع تأكيد أشد.
وقد تشير عبارة النهي بأجمعها إلى حقيقة بدء الفساد من نقطة صغيرة ، واتساعها واشتدادها بعد ذلك. أي تبدأ بالفساد وتنتهي بالعثي في الأرض وهو شدة الفساد واتساعه.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (٦١)
المطالبة بالأطعمة المتنوعة : بعد أن شرحت الآيات السابقة نعم الله على بني إسرائيل ، ذكرت هذه الآية صورة من عنادهم وكفرانهم بهذه النعم الكبرى. تتحدث الآية أوّلاً عن مطالبة بني إسرائيل نبيّهم بأطمعة متنوعة بدل الطعام الواحد (المن والسلوى) : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا).
فخاطبهم موسى (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ).
ويضيف القرآن : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بَايَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ).
إنّ المقصود من كلمة «مصر» في الآية الكريمة هو المفهوم العام للمدينة ، وقوله سبحانه :
(اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ). أي : إنّكم الآن تعيشون في هذه الصحراء ضمن إطار