الأكثرية في أخطائها ، فتقول الآية الاولى في البدء : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيَاتِهِمْ).
بل ذهبت إلى أبعد من هذا فوعدتهم بالجنة ونعيمها ، إذ قالت : (وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتٍ النَّعِيمِ) وهذه إشارة إلى النعم المعنوية الأخروية.
ثم تشير الآية الثانية إلى الأثر العميق الذي يتركه الإيمان والتقوى ، في الحياة الدنيوية للإنسان ، فتؤكّد أنّ أهل الكتاب لو طبّقوا التوراة والإنجيل وجعلوهما منهاجاً لحياتهم وعملوا بكل ما نزل عليهم من ربّهم ، سواء في الكتب السماوية السابقة أم في القرآن ، دون تمييز أو تطرّف لغمرتهم النعم الإلهية من السماء والأرض ، فتقول الآية : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَيةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم).
وبديهي أنّ المراد من إقامة التوراة والإنجيل هو إتّباعهم لما بقي من التوراة والإنجيل الحقيقيين في أيديهم في ذلك العصر.
إنّ الآية الأخيرة تؤكد مرّة اخرى هذا المبدأ الأساسي القائل بأنّ اتّباع التعاليم السماوية التي جاء بها الأنبياء ، ليس لإعمار الحياة الآخرة التي تأتي بعد الموت فحسب ، بل إنّ لها ـ أيضاً ـ انعكاسات واسعة على الحياة الدنيوية المادية للإنسان ، فهي تقوّي الجماعات وتعزز صفوفها وتكثّف طاقاتها ، وتغدق عليها النعيم وتضاعف امكانياتها وتضمن لها الحياة السعيدة المقترنة بالأمن والإستقرار.
ولو ألقينا نظرة على الثروات الطائلة والطاقات البشرية الهائلة التي تهدر اليوم في عالم الإنسان نتيجة للانحراف عن هذه التعاليم ، في صنع وتكديس أسلحة فتّاكة ، وفي صراعات لا مبرر لها ومساع هدّامة ، لرأينا أنّ ذلك كله دليل حيّ على هذه الحقيقة ، حيث إنّ الثروات التي تستخدم لإشاعة الدمار في هذا العالم ـ إذا أمعنا النظر جيداً ـ إن لم تكن أكثر حجماً من الثروات التي تنفق في سبيل البناء ، فهي ليست بأقل منها.
إنّ العقول المفكّرة التي تسعى وتعمل جاهدة ـ اليوم ـ لإكمال وتوسيع انتاج الأسلحة الحربية ، ولتوسيع بقعة النزاعات الاستعمارية ، إنّما تشكّل جزءاً مهمّاً من الطاقات البشرية الخلّاقة التي طالما احتاجها المجتمع البشري لرفع احتياجاته ، وكم سيصبح وجه الدنيا جميلاً وجذّاباً لو كانت كل هذه الطاقات تستغل في سبيل الإعمار؟
وفي الختام تشير الآية الكريمة إلى الأقلية الصالحة من أهل الكتاب الذين اختاروا طريق الإعتدال في حياتهم خلافاً لنهج الأغلبية المنحرفة ، فعزل الله حسابهم عن حساب