يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ). فلا إجبار في عمل الله كما أنّه ليس محكوماً بالجبر الطبيعي ولا الجبر التأريخي ، بل إنّ إرادته فوق كل شيء وتعمل في كل شيء.
ثم تشير الآية إلى أنّ آيات الله التي تفضح أقوال ومعتقدات هؤلاء تجعلهم يوغلون أكثر في صلفهم وعنادهم ويتمادون في طغيانهم وكفرهم بدلاً من تأثيرها الإيجابي في ردعهم عن السير في نهجهم الخاطيء حيث تقول الآية الكريمة : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا).
بعد ذلك تؤكد الآية على أنّ صلف هؤلاء وطغيانهم وكفرهم سيجر عليهم الوبال ، فينالهم من الله عذاب شديد في هذه الدنيا ، من خلال تفشّي العداء والحقد فيما بينهم حتى يوم القيامة ، فتقول الآية الكريمة : (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ).
وتشير الآية ـ في الختام ـ إلى المساعي والجهود التي كان يبذلها اليهود لتأجيج نيران الحروب ، وعناية الله ولطفه بالمسلمين في انقاذهم من تلك النيران المدمرة الماحقة ، فتقول : (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ).
وتعتبر هذه الظاهرة إحدى معاجز حياة النبي الأكرم محمّد صلىاللهعليهوآله لأنّ اليهود كانوا الأقوى بين أهل الحجاز والأعرف بمسائل الحرب.
ثم تبيّن الآية ـ أيضاً ـ أنّ هؤلاء لا يكفّون عن نثر بذور الفتنة والفساد في الأرض فتقول : (وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا) وتؤكد أيضاً قائلة : (وَاللهُ لَايُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (٦٦)
بعد أن وجّهت الآيات السابقة النقد لنهج واسلوب أهل الكتاب ، جاءت هاتان الآيتان وفقاً لما تقتضيه مبادىء التربية الإنسانية لتفتحا باب العودة والتوبة أمام المنحرفين من أهل الكتاب ، لكي يعودوا إلى الطريق القويم ، ولتريهم الدرب الحقيقي الذي يجب أن يسيروا فيه ، ولتثمّن دور تلك الأقلية من أهل الكتاب التي عاشت في ذلك العصر لكنها لم تواكب