كلمة «الشريعة» على الدين لأنّ الدين ينتهي بحقائق وتعاليم هدفها تطهير النفس الإنسانية وضمان الحياة السليمة للبشرية ؛ أمّا كلمة «النهج» أو «المنهاج» : فتطلقان على الطريق الواضح.
ثم تبيّن الآية أنّ الله لو أراد أن يجعل من جميع أبناء البشر امة واحدة ، تتبع ديناً وشرعة واحدة لقدر على ذلك ، لكن هذا الأمر يتنافي مع قانون التكامل التدريجي ، وحركة مراحل التربية المختلفة ، فتقول : (وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَاءَاتَيكُمْ).
بعد ذلك تخاطب الآية ـ في الختام ـ جميع الأقوام والملل ، وتدعوهم إلى التسابق في فعل الخيرات بدل تبذير الطاقات في الاختلاف والتناحر ، حيث تقول : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ). مؤكّدة أنّ الجميع يكون مرجعهم جميعاً وعودتهم إلى الله الذي يخبرهم في يوم القيامة بما كانوا فيه يختلفون : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠)
سبب النّزول
في تفسير المنار عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من اليهود : اذهبوا بنا إلى محمّد لعلنا نفتنه عن دينه. فأتوه فقالوا : يا محمّد إنّك عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتهم وإنّا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وأنّ بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فنقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك. فأبى ذلك. وأنزل الله عزوجل فيهم (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم) إلى قوله (لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
التّفسير
تكرر هذه الآية تأكيد الباري عزوجل على نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله في أن يحكم بين أهل الكتاب طبقاً لأحكام الله وأن لا يستسلم لأهوائهم ونزواتهم ، فتقول : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ).