(وَءَاتَيْنهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ).
إنّ كلمة النّور التي اطلقت في القرآن الكريم على التّوراة والإنجيل ، إنّما عنت التوراة والإنجيل الأصليين الحقيقيين.
بعد ذلك تكرر الآية التأكيد على أنّ عيسى عليهالسلام لم يكن وحده الذي أيّد وصدّق التوراة ، بل إنّ الإنجيل ـ الكتاب السماوي الذي نزل عليه ـ هو الآخر شهد بصدق التوراة حيث تقول الآية : (مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَيةِ).
وفي الختام تؤكد الآية أنّ هذا الكتاب السماوي قد حوى سبل الرشاد والهداية والمواعظ للناس المتقين ، حيث تقول : (وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (٤٧)
الإمتناع عن الحكم بالقانون الإلهي : بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى نزول الإنجيل ، أكّدت هذه الآية محل البحث أنّ حكم الله يقضي أن يطبّق أهل الإنجيل ما أنزله الله في هذا الكتاب من أحكام ، فتقول الآية : (وَلْيَحْكُمْ أَهَلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ).
فالمراد هو أنّ المسيحيين تلقّوا الأوامر من الله بعد نزول الإنجيل بأن يعملوا بأحكام هذا الكتاب وأن يحكّموها في جميع قضاياهم.
وتؤكد هذه الآية ـ في النهاية ـ فسق الذين يمتنعون عن الحكم بما أنزل الله من أحكام وقوانين فتقول : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
ويلفت النظر اطلاق كلمة «الكافر» مرّة و «الظالم» اخرى و «الفاسق» ثالثة ، في الآيات الأخيرة على الذين يمتنعون عن تطبيق أحكام الله ، ولعلّ هذا التنوّع في اطلاق صفات مختلفة إنّما هو لبيان أنّ لكل حكم جوانب ثلاثة :
أحد ها : ينتهي بالمشرّع الذي هو الله.
والثّاني : يمسّ المنفّذين للحكم (الحاكم أو القاضي).
الثّالث : يرتبط بالفرد أو الأفراد الذين يطبّق عليهم الحكم.
أي إنّ كل صفة من الصفات الثلاث المذكورة قد تكون إشارة إلى واحد من الجوانب الثلاثة ، لأنّ الذي لا يحكم بما أنزل الله يكون قد تجاوز القانون الإلهي وتجاهله ، فيكون قد